لا تجعل ثقتك بالناس عمياء، ولا تتخيلهم ملائكة فتنهار احلامك، فأنت عندما تحكم على الأخرين فأنك لا تقيمهم –كما قال واين داير- لكنك تقيم نفسك ، التي لو سألت مئةُ شخص عن رأيه فيها ، لوجدت أمامك مئةُ رأي ورأي، وذاك سلوك فاشٍ في الناس وغالب عليهم في ترتيب شبكة علاقاتهم الإجتماعية والسياسية ترتيبا متوافقا مع الأخلاق التي فطرت عليها نفوسهم التي هي كالبحر في أسرارها ، والتي يصعب الحكم على أعماقها عبر ما يترائ منها من مظاهر الخارجية، التي لو علمت ما تخفيه لإقنعت برأي “تشي غيفارا” في الناس على أنهم : كلهم كاذبون ، فلا المطرب العاطفي عاشق، ولا المديع المتحمس وطني ، ولا رجل الدين يعرف الله ؛ فقدر غيرك واحترم كرامته ، ولملم حيرتك ، وكن أنت كما تريد أن تكون ، ولا تكن كما يريدك بعض الذين لن يروك طيباً حتى لو لبست جلباب الأنبياء ، ولن يحبكوك حتى لو قدمت لهم كل موجبات الود والاحترام ، فلا تحزن ، فكما أن هناك قلوباً لا تعرف ان تحب ، فهناك قلوب لا تعرف أن تكره، ، ومع ذلك كن حذرا ، ولا تنخدع بالآخرين ، واياك ان تتمسك بمن لا يريدك ، فيكسر قلبك، ولا تبح لغيرك بسرك ، فينشر غسيلك ، ولا تثق فيمن أعجبك شكله أو حديثه ،فيخون أمرك ويحبط عزمك.. ولا تعطي أيا كان أكثر من حجمه، فكثير من الأشخاص ظلهم أظخم من أحجامهم ، والورد يموت من كثرة الماء ، ولا تدر ظهرك للجبان ، حتى لا تنصدم فيمن كنت تظن أنه ذا قربى ، وتندب حظك وتتحسر على ما يحصل مع أهل الجهل والسخف والنفوس الشريرة ،التي لم يستطيع أي دين أن يزيل نقصها المتجذر الذي تعوضه بأدية الناس وتشويه صورهم ، والتي رتبها إبن حزم على سبع مراتب أو طوائف هي: طائفة تمدح في الوجه ، وتذم في المغيب ؛ وهذه صفة أهل النفاق من العيابين ، وطائفة تذم في المشهد ، والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين ، وطائفة تمدح في الوجه والمغيب ، وهذه صفة أهل الملق والطمع ، وطائفة تذم في المشهد ، وتمدح في المغيب ، وهذه صفة أهل السخف والنواكة، وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة ، ويثنون بالخير في المغيب ، أو يمسكون عن الذم، وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة ، فيمسكون في المشهد ، ويذمون في المغيب ، وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب ، ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلونا -انتهى كلام ابن حزم- وغيرها من الطوائف التي يفرض اتقاء شرورها ،على الناس أن تصحبها كما تصحب النار، يأخذون منفعتها ويحذرون لهيبها ، لأن الناس بأخلاقهم وأفعالهم وليسوا بملابسهم ومناصبهم ، فإن هم لم تزينهم أفعالهم ، فلن تزينهم ملابسهم ، وإن لم ترفعهم أخلاقهم ، فلن ترفعهم المناصب مهما علت، لأنه ليس كل من لبس الرباط مثقفا ، ولا كل من لبس العمامة مصلحا ، وليس كل ذي لحية واعـــــــظا ولا كل من قد محاها كافرا ، فكم من حمار ألبسه الجهلة ثوب القداسة وأصبح يسرح ويمرح في مجتمعاتنا التي احتضرت فيها الأخلاق التي كانت موطنها ، وغدت فى حاجة ملحة إلى التّطهٌر من الثقافة المغلوطة وإعادة بناء الذهنية المتزنة في التعامل مع الناس والتماس الأعذار للذين جعلتهم التراكمات يقسون رغم لين قلوبهم ، ويكابرون رغم شدة حبهم ، السلوك الذي برعت أحلام مستغانمي في تصويره بقولها أنه :’كَالمنَازل بعضهَا يَستَحقّ التّرمِيم البسِيط ، وبعضهَا يستحِق الهدم وإعادة البنَاء ، والبَعض الآخَر يُجبرنَا أن نكتُب عَليه للبَيع’ ، فعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيق الله له ومعونته، تنزل عليه على قدر همته، دون تمحور الواحد منا حول نفسه ويعتقد أن ما يستحسنه هو الحسن ، وأن ما يستقبحه هو القبيح وأن رؤيته للأشياء والأمور هي الصحيحة وعلى الجميع أن يوافقوه على ما يزاوج ما بين الفكر والسلوك بما يتناسب افعاله، أو ما يتوافق مع نظرية “الأكثرية تفعل ذلك” ..
.