التعلق الغريزي باللذات !”!

الجديد بريس _ حميد طولست

طبع الإنسان على السعي الغريزي للمتعة وتجنب الألم تلبية لاحتياجاته البيولوجية والنفسية، وجبل على طلب المزيد من مختلف أجناسها ، الجائز والمقبول منها وغير الجائز ولا المقبول ، وتعود التنافس المميت على كافة أصنافها سواء الظاهرة منها، التي تُقرؤ بجلاء على ملامح صاحبها ، أو الخفية السِرية الخصوصية أو القلبية ، التي لا يبوح صاحبها بها إلا لنفسه ولملكوت السماوات ، أو الجسدية ، المتعلقة في مجملها بالشهوات الحسية التي لا تتحقق للإنسان السوي إلا من خلال إقصاء الألم وما يعكر الصفو ، أو تلك التي لا يتلقى الإنساء الشاذ المتعة إلا عن طريق إلحاق أو استقبال الألم والإذلال البدني أو المعنوي، خاصة أثاء ممارسته للجنس ، والتي ينقسم المتلذذين بهذه طريقة إلى ثلاث فئات ، الأول تخص أولئك الذين يحصولون على المتعة من معاناة وتعذيب الأخرين نفسيا أو بدنيا أو جنسيا ، والذين ينعتون بالساديين، وثانيها: الفئة التي لا يصل أصحابها للذة الجنسية إلا بإيذاء أنفسهم لفظيًا أو بدنيًا، والذين يطلق عليهم “الماسوشيون أو المازوخيون Masochism ” أما الفئة الثالثه فهي تلك التي لا غنى لها عن الألم كمحريض لتحصيل المتعة الجنسية وذلك بإلحاق أو استقبال الألم، والتي يرمز لها بمسطلح سادِيّة/مازُوخِيّة Sadomasochism ، ومما سبق يتبين أن اللذات غير مُتساوية الهويات والنيات والعلامات والسمات ، وتبقى في غالبيتها وقتية وعابرة في أغلب لحظاتها ، ولاتحقق السعادة الدائمة المستقرة والمستمرة، كما يبدو للبعض ، إذ أنها مجرد شعور مؤقت وعابر، ولا تشبه بأي حال من الأحوال السعادة ، لتلاشيها مع زوال مسببات اللذة التي تمنح صاحبها شعورا وقتيا بالانتصار والتمكن لا يلبت أن يتلاشي مع مرور الأيام وكأنه لم يكن ، بينما السعادة هي شعور مستمر مطرد بالرضا والفرح واليقين، يتلبس صاحبه ويرافقه في كل كبيرة وصغيرة، فيخلق منه كيانا يرى الحياة بمنظار وردي، ومع ذلك ومهما كانت اللذات لحظية ووقتية وسريعة التلاشي ، فإنها تخلق وفي كثير من الأحيان السعادة المستدامة ، كما هو حال اللذة العقلية الروحية التي يعيشها من يجد نفسه غير مُلتزم بأي التزام نحو أي أحد أو أية جهة من الجهات، والذي يؤكده المثل الشائع: “فقر بلا دَين هو الغنى الكامل” ، أو كحال اللذة العقلية الفكرية الروحية التي تغمرني حين أسير على طوار أحد شوارع مدينة ، فلا أجده مُزدحمًا بالسيارات ، أو كاللذة التي تجتاحني عندما أقود سيارتي لدقائق معدودة في شارع ليس به حُفَر ولا مطبَّات ، أو  اللذة التي تشملني حين مدلني عشرات من لوحات التشوير على الطريق إن أنا ضللته، أو كاللذة التي تتلبسني حين أترك سيارتي عند باب إحدى المصالح ثم أعود ، فلا أجد أصاحب السترات الصفراء في انتظاري ليطالبوني بإجر عمل لم يقوموا به ، أو تلك اللذة التي تشعرتي بالسعادة الفائقة ، حين أركب الحافلة المُزدحمة، فأجد من يترك لي مكانه لأجلس ، وحين تمر الرحلة بسلام دون أن تُنشَل حافظة نقودي ، وإن هي نشلت يُعيدها لي رجال الشرطة مشكورين، أو تلك اللذة العظيمة التي تجعلني أطير من الفرح حين أعود إلى بيتي فأجد مكان ركن سارتي خالٍ من جحافل المتسولين المتلذذين بالشحَّاذة والتسول ، وجيوش الشُباب الواقفين على ناصية الزقاق يتفحصون الرائحين والغادين، وحين أجد مِصعد العمارة غير معطَّل ..
إلى هنا سأكتفي بهذا القدر من اللذات التي أتمنى تتحقق ،كما هي اللذة التي أحسُّ بها وأنا أكتب هذه الخاطرة وأحظى معها بكامل الراحة الفكرية والذهنية التي لا تُعادلها أي لذة أخرى ، وإلى اللقاء مع لذات أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *