بقلم : حميد طولست
مرت علي الأيام العالمية للتوحد كثيرة ، كنت في كل واحدة منها أتحاشى الكتابة عن أطفال التوحد ، وأوقف عجلة الأفكار المتسارعة في ذهني حول طيفه وإضراباته ،التي يعاني منها حفيدي وسيم ، خوفا من استشعار أمه ، ابنتى حبيبتي ، لكلمة شفقة ينكسر بها قلبها ، أو عبارة مواساة ينهار لها صمودها وعزيمتها، لكنني قررت هذا العام ، أن أطلق العنان لقلمي ليحتفل بحفيدي وكل المصابين بطيف التوحد وأُسرهم المتضررة من تكاليف العلاج والتحاليل والفحوص وجلسات التخاطب فى المراكز الخاصة المرتفعة الكلفة ، والمعانية مع ندرة المراكز الحكومية غير كفاية عددها لأطفال التوحد المتزايدين ،وقلة التي تقدم منها الخدمة المؤهلة ، ومع شح وتضارب المعلومات المتاحة عن التوحد ، ومع انعدام الثقافة العامة حوله، و تنمر الغالبية العظمى من الناس وعلى كافة المستويات –إلا من رحم ربي لأن غير المتنمرين في مجتمعنا هم نُدرة-
الخلاصة هي ان التوحد قضية مقلقة بشكل خطير لا يستشعر معاناتها إلا من لديه طفل مصاب باضطراباته، وخاصة منهم الأمهات المعانيات شديد المعاناة مع تربية أبنائهن المصابين بالتوحد ، ورعايتهم في كل مرحل حياتهم العمرية، إنها والله لمهمة صعبة لا يقوى عليها أشد الرجال ، وتؤديها الأم بعون ما منحها الله من الإرادة وقوة التحمل الخارقة .وبهذه المناسبة، فخور بتقديم أسمى تعبيرات الشكر والامتنان لابنتي العزيزة على ما قدمته في صبر وتقدمه في جلد من دعم ورعاية لابنها ،حفيدي الحبيب، وتحية إكبار لكل أم لديها طفل يعاني من اضطرابات التوحد.
فما أصعب الكتابة عن أطفال التوحد ، وأن لا تشعر بالاضطرابات التي يكابدها المصابون بالتوحد ، ويعيشون مصاعب التعبير عنها ، ويصعب عليهم الإفصاح عنها هم أنفسهم ، كما تبين ذلك هذه الخواطر على لسان طفل توحدي:
لا أعرف شيئا عني .. سوى أنني توحدي .. هكذا يطلقون علي .. إنسان آلي .. غربي في كل شيء .. لا أعي من هم حولي .. باردة مشاعري .. فاترة عواطفي .. لا أبالي بشيء .. حتى بأمي وأبي .. فكل ما يهمني هو عالمي .. أجيد لغة الصمت .. أهوى لغة التأمل .. أتحدث لغة غريبة .. لا يفهم طلاسمها .. حتى أبناء جنسي .. هكذا يقولون عني .. طفل توحدي..
وفي الختام :اللهم مرضى التوحد في رعايتك فأكشف عنهم السوء وداويهم بدوائك ، ومتع أمهاتهم بنعمة الصحة و المعافاة واعنهن على تحمل أعباء تربية أطفالهم ، ولتسمحن لي بتقديم نصيحة لا تكلفكن إلا الهناء وتتلخص في التظاهر بالسعادة أمام النفس والأبناء والوالدين لأنه يولد صدق الإحساس بها، ويجلب الرضا ويستحث التفكير السليم للتعامل مع ضغوط الحياة ومآزقها ويجنب الأهل والأبناء الآثار السلبية، لأن الهموم تمر لكن أثرها على الصغار قد يبقى ويترك في نفوسهم أثرًا قاتمًا!! فجنبوا أنفسكم وقلوب أحبتكم من المتوحدين مالا يحتمل ودربوا أنفسكم أن تكونوا سعداء رغم أنف الإحباط فالحياة تستحق
وكل عام واطفال التوحد وأهليهم بألف خير.