انجاز : د ابوعلي الغزيوي – ليلى بلمدني
تقديم :
إن الاهتمام بالمتلقي ليس ترفا نظريا بقدر ما هو إقرار بالدور الذي يؤديه هذا العصر، سواء على مستوى الوضعية التلفظية أو على مستوى الوضعية التأويلية، فالمتلقي ليس بوصفه شيئا جاهزا، لذا حاولت الدراسات النقدية أن تبحث فيه عن المسكوت عنه، و عن أجوبة لأسئلته اللامتناهية، لأن هذه النصوص وهي تستثمر المتلقي بهذا الشكل، حيث تتأسس على سؤال مركزي يتعلق بتمفصل القراءة و الكتابة، من هنا فإن تيمة القراءة و وعي الكتابة تجاوزت سرير بروكست، و مارست عليه طقوس البترو أيضا التمطيق لتستعمل النص كما تريد.
إن تدخل هذه المقاربة في إطار استراتيجية تضبط عملية تمفصل مجموعة من القراءات كما يقول حسن أحمد سرحان في كتابه “في التلقي الأدبي” نحو تصور جديد للقراءة ص9، قراءة مرتبطة بسيرورة تأويلية وإدراكية، عند محافل النصوص، و في الوقت يحاول المتلقي أن يتصور نصا موازيا بقناعة ابستمولوجية يراهن على تطويع المناهج لتستجيب لخصوصية النص الأدبي، فهذه الفرضية هي تعاون و تكامل و تعالق بين المتخيل و الواقعي، و بين القراءة و الكتابة، و المرجعية و الانفعالية و الشعرية و الميتاشعرية، إذن ما يعطي للطرح التجريبي هو فهم الماكر و تواصلية التي تنفرد بخاصية جوهرية تتجلى في الأهمية المعطاة للمتلقي، فالقراءة تسمح بتدخل مكونات خارج نصية لتحريك هذه الأنوية التمثيلية من أجل أن يستمد النص تعدديته و اختلاف ايديولوجيته كما حددتها جماعة انتروفيرن، فالذات تعمل على تحويل الخارج و الداخل أي بين ملفوظ الفعل و ملفوظ الحالة لكي يكون الموضوع هو الذات، و الذات تقرأ الموضوع دون انفصال، إذن فالنص يصبح ممكنا لرسم قاعدة لفهمه و تحليله، و بالتالي يسهل علينا تصور مدى تغير النص وأساليب تحليله.
إذا كانت القراءة هي الفهم، فالنص هو موضوع الفهم و الإدراك، فهو الذات و الموضوع، و تصور تركيبي و حسي، يتوقف على التفاعل الدينامي بين النص و القارئ، إذن فهو عملية يتم من خلالها إخراج الكائن إلى الممكن، لذا فإن دراسة النص تقتضي مقاربة ضرورة العودة إلى شرحه كما يفكر هو نفسه وعبر الإصغاء إلى مبدعه، إذ لا يكتفي القارئ بالتفكير فيما يفكر فيه المبدع، و إنما أن يفكر معه و ضده، و ذلك عبر الانطلاق من عملية التعريف و التأويل و كذا معرفة ما هو جوهري دون نسيان المبدع فالنص الأدبي هو مجموع من التصورات و التمثلات و وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي، لذا فدراسته تسمح لنا بتحديد بنية و تمفصلاته كما قد تمكننا من معرفة ما يطرحه النص، حيث يخاطب الذات، و العالم عن طريق الخيال و الرمز، و الأسطورة، و الانزياح، فتخرج القصيدة متوهجة و باحثة عن فضاء تأويلي لكي تستفز أو لتولد لذة، أو تقدم رؤية أو شهية كما يرى رولان بارت في كتابه “لذة النص” فدراسة النصوص ليست للطلبة والتلاميذ، لأنهم لا يمتلكون إرثا أدبيا و لا نفسيا و لا فلسفيا و لا وجوديا مما يجعل هذا النص الشعري غريبا عنهم، لأنه يحمل بين طياته رؤيا و لغة و رمز و أسطورة كما ذكرت، بالإضافة إلى البعد الديني والثقافي الموروث، و التمثلات السلبية، لأن المنهجية المتبعة في درس النصوص هي منهجية كلاسيكية لا تدعو للتفكير، و لا تعالج مجموعة من التساؤلات المرتبطة بالإشكالية المحورية، بل هدف المدرس هو إيصال المعلومات إلى المتلقي بتقنيات تظهر مضامينها فبغناها و أيضا أهميتها التمثيلية لا النقدية، و على هذا الأساس يمكن أن أؤكد بأن هذه النصوص المقررة في الكتب المدرسية لا تساير التطور المعرفي والأدبي و الثقافي المعاصر، و لا تمثل نماذج لمواقف نظريات نقدية، بل هي تكملة ضرورية للتوسع في المعالجة التراثية، فالنص ينبغي أن يحمل مضمونا إنسانيا، و اجتماعيا حيث يحتاج إلى مرجعية لتحفيز المتعلم على المشاركة و المشاركة في استنطاق و تحليل النص كفعل جديد و لتحقيق هذه الأدوار يقوم المدرس باختيار الطرائق التي يراها ملائمة مع مرحلة التلاميذ و اختيار تقنيات سهلة لإبراز الجمل والكلمات كإدراك للمعطى المؤول الذي يشد المتلقي و يجذبه، الشيء الذي يجعل التلاميذ يكتسبون مصطلحات و الأفكار المستخلصة من النص المدروس، و بالتالي يتحقق تحويل العملية التعليمية التعلمية من الإلقاء (الأهداف) إلى المشاركة و الكفاية التواصلية، و تحويله إلى حوار مفتوح، إذن يقتضي من استحضار مجموعة من المناهج كإطار مرجعي للدرس، لتحديد نوعية الأسئلة المطروحة و القضايا التي ينص عليها النص المعالج، لأن لكل نص قضاياه، و مرجعيته و ذلك وفق استراتيجية التي تحكم إنجازه، فالأمر المرجعي هو التمسك بالخيط الرابط بين النص المعالج و الأسئلة القبلية لمعرفة المستوى الأفقي و العمودي بالنص و سيرورة انبنائه تربويا و أدبيا و معرفيا، إن النص لا يمكن أن يكون بريئا بل هو محمل بمجموعة من الأسئلة و التقنية و التفكيكية و التأويلية فهذا لا يطبع النصوص و عدم قابلية المقاربة داخل كل وحدة، وعدم قابلية المقاربة الديداكتيكية و المنهجية.
فالمنهجية المقارباتية للنص ليست مجرد وسيلة، بل هي بنية عقدانية تستمد اسسها من التصورات الذاتية و من التطورات الفلسفية و الانسانية، لان الصياغة التحليلية تمثل بالنسبة للتلاميذ منطلقا و مجالا للتطبيق على المستوى البيداغوجي، كضرورة لتحديد ايديلوجية النص، و استجابة للبرامج الملتزمة بالتوجهات النقدية المعاصرة و ليست كلاسيكية، فالنص الادبي هو تاريخ للذاكرة، و للهوية و للذات، و الكون، والانسان و الوجود، و هو نتاج حوارات، و مسؤولية موسعة و طريق لصياغة السؤال التالي “ما هي عوائق فهم النص الادبي؟ و كيف نفهم النص؟ و هل انتهى النص الادبي؟ و انسجاما مع هذه الاسئلة ظهرت ضرورة تجديد ماهية الادب و رصد ابعاده الانسانية من الانصات و القراءة التشغيل1 و المبادئ العامة لكل مقاربة ممكنة له.
فالنص الأدبي هو إشكالية كبرى و متعددة الأبعاد، و أن مقاربته يقتضي منا كما قلت استحضار المناهج و التخصصات المعرفية و أبعاده الرمزية و الأسطورية و الوجودية و العبثية، و أن دراسته ليست سهلة لكونه موضوع مقاربات مختلفة و متنوعة، و كوسيلة تعليمية في تعليم التحليل و التأويل، و الرغبة في تفكيك معالقة لمعرفة مناطقه المستورة، و العمل أيضا على اكتساب التلاميذ و الطلبة لمجموعة من الكفايات حسب (شومسكي) تتيح لهم فهم ما يقوله النص، و ما سيقوله المبدع و أيضا تعلم الكتابة، و الإبداع المخالف للمبدع، و بلغة أوضح فالنص هو ميثاق و طموح و مسؤولية غير ملقاة كمعطى بل لمعرفة العوائق المعرفية و المنهجية التي تبدو لنا و لهم صعبة و ليست بالمستحيلة النهائية إذن نقتضي عملية خلق النص ضرورة سبكه في بناء واحد متلاحم يراعي تماسك جمله و فقراته، حتى تبدو كلا واحد يحقق للنص نصيته، و من ثم كان الثساق عنصرا جوهريا في تشكيل النصوص، لأن عملية بناء النص كما قلت مرارا ليست عملية متراكمة للجمل و تكديس بشكل عشوائي، و إنما هو عملية منسقة و مشكلة و متناسقة، يحيل فيها السابق إلى اللاحق، و اللاحق إلى السابق، و يعصف بعضها على بعض بواسطة أدوات و وسائل لغوية تحقق ما نسميه – بنية النص – و هو الذي يميز نصا عن ما ليس نصا، لأن الإحالة المقالية (النصية)، و الإحالة القبلية، والبعدية، و الإحالة المفاهيمية و السياقي، و المجالي و المحوري كلها مستويات إبداعية و أدوات موظفة في تحليل للجنس الأدبي، حيث يمدنا بالامتداد التعاقبي و السانكروني، لمعرفة المستويات: التركيبي، والمعجمي و الدلالي، و الصوتي، و الإيديولوجي و الإنسانوي، و يرى بور ديوفي هذا الشأن، أن التربويين مستعدون تلقائيا للاعتراف بشرعية المعلومة المنقولة اليهم و بالسلطة التربوية لاجهزة الارسال التربوية، فهم اذن مستعدون لتقبل و استبطان الرسالة2 غير ان هذه الهيئة التدريسية لا يمكنها ان تمرر هذا التعسف الرمزي الا ضمن الحدود التربوية الموظفة، و هذا ما يجعل النص الادبي يفرض سلطته لينزل قضية الانعكاس و التاثير و التاثر للثقافة الشرعية من اجل معاودة انتاج علاقة النص بالعالم الخارجي، فاللاتبعية المركزية النصية تستمر كمؤسسة التي بحوزته بصفته مؤسسة مستقلة حسب (البنيوية) و غير خاضغة لممارسة الايديولوجية حسب بارت في كتابه نقد و حقيقة.
إن هذه العلاقة الداخلية بين سلطة النص و المعرفة المستنبطة هي التي ستؤلف الموضوع المطروح، فينبغي أن ندرك جيدا المستوى الفني و الجمالي الذي يتجه نحوه تحليل النقد، لأنه لم يكن مفهوما و واضحا، ويسعى الناقد / القارئ أيضا إلى عزل العلاقات القائمة في بعض المناهج بين سلطة النص و المعرفة المتخيلة، لأن المتلقي سوف يدرك كما يرى فوكو ميشيل أن الممارسات الثقافية في أي عصر كان، تحدد نوع الموضوع الذي من شأنه أن يشير اهتمام العلم، لكن الناقد المبدع يسعى جاهدا إلى إدماج اختلاف وتنوع مهم بين أنواع الممارسات المعرفية و الإنسانية و أنواع الممارسات المنهجية التي تطبقها كل ممارسة علمية أو أدبية و فلسفية، و يبدو أنه من الضروري بالنسبة للقارئ أن يراقب صيغة الرؤيا عند الشاعر أو الروائي، أو القاص، لأنه لا يملك الأدوات المنهجية التي تسمح له بمعرفة العائق حسب باشلا ولمعرفة كل الصعوبات التي تواجهه، و العقبات التأملية التي تدمجه في فهم الأبعاد الدلالية و التركيبية والمعجمية، و الجمالية، فهذه الصعوبات لا تقف عند مكونات النص، بل في الموضوعية المنهجية التي تسمح له بالتفاعل و التأثير لكي يبني لنا نسقا مثاليا داخل فضاء المناصي الجديد، فالعائق الذاتي و الموضوع المدروس، و المدرس هي أطراف تسمح بتذييل الصعوبات الإلقائية و التركيبية، و التحليلية لكي تساهم في بناء نص آخر موازن مع تمثلات أسئلة التلاميذ و الطلبة، لأن النص هو مدونة ذاتية و غريبة، و وضعية صراعية بين التصورات و المواقف، تسمح بتطوير هذه العوائق المعرفية و التحليلية، لكي تكتسب هذه الذات القارئ فاعليتها داخل النسيج الأدبي و الاجتماعي، فهي تمثل الإطار المرجعي لدى الطلبة و التلاميذ، و التي تسمح لهم بتأويل كل المعطيات و التصورات الخيالية، و الدلالية قصد التعبير عن اتخاذ موقف ما أو إجابة عن أسئلة، لأن النص لا ينبغي أن ينطلق من الغاية، بل من الوسيلة كمصدر إيجابي للفهم و للقراءة الفردية، و الشرح اللغوي، و استخراج المفاهيم الإجرائية قصد اكتساب تقنيات تواصلية، و من أجل الإجابة عن الاسئلة التقويمية ينبغي على المدرس مساعدة التلاميذ و الطلبة بإنجاز فلسفة النص كخطاب مفتوح غير نهائي، باعتباره تجربة ذاتية و خيالية، فالرهان هو الكشف و الاكتشاف لهذا النص المعالج، سواء على المستوى الدلالي، و المرجعي أو اللغوي و الأخلاقي و الجمال الفني، و الرمزي، لأن النص يختلف كما ذكرنا حسب اختلاف اللغة الموظفة، لأنها تشكل معيقا أمام فهم دلالة النص، و لعل ما يضفي على هذه اللغة الإبداعية هو مصطلحاتها و سياقاتها و معانيها، و باعتبارها أيضا قصدية دالة، يقتضي منا بالضرورة معرفة ماهيتها و كيف تنكتب على البياض لتشكل قاموسا إما فنيا، أو أدبيا، لهذا قد يكون البعد اللغوي أحوج ما يكون للإضاءة التي يقترحها المحلل النصي، و ذلك بالنظر للتحديات الكبرى التي تواجهه، نص ما بعد الحقيقة تلاشي الاستقرار اللغوي الكلاسيكي، تصاعد التعدد اللغوي، و الأسلبة، و اليولوفونية، و الحوارية، حيث يبدو اليوم و كأن اللغة في قبضة أولئك الذين يسعون لتحويها إلى مجرد أداة لصراع سياسي باسم الحتمية الاجتماعية، إذ يتوجه هذا المقال لكل الذين تقلقهم الانحرافات اللغوية في حقل الحقل الأدبي – الفني و الدرامي، و الشعري، و السردي، فهم ليسوا محصنين ضد الأخطاء اللغوية و المعرفية الذي يمكن أن تدمجهم في متاهات السرديات الإيديولوجية التي تحول النص اللغوي الأدبي إلى نوع من الإنتاج الإيديولوجي، فسؤال حول النص، هو سؤال البداية الذي لم يكتب بعد، بينما يكون النص بالاكتمال و بعيون المتلقي، و هي رؤية تتأسس على التنوع حينما يخاطب المتلقي في عقر داره، لكي يعيد بعثه و تجديده، لأن السؤال هو بحث عن الأسئلة المقصية و الغير الظاهرة، في المقابل يظل الناقد يفتش في لا شعور النص لمعرفة الإجابة الممكنة و هذا ما نراه في اللص الكلام، و ميرامار، لنجيب محفوظ، أو في الشعر الحر عند الشاعر محمد بلمو في قصيدة (كما أنا): أراك تكتسح عيني / بحر نار باردة / تجري الأشجار خلف الأنهار/ كأن السماء أنت / يطارد الأزرق الرمادي و السحب نائمة قرب نارا كأنك الكون المكنون / حين تهب / روح التراب لن تترنح كما تعودت / تتفتح أقحوانات المسام المثخنة / تزهر القناديل / يصبر الصبار وصوت أميمة الخليل، يستفيق العشق من دوخة الأسمنت / يتسلق الجبال مع شجر الزيتون، فهذا التقارب في الأسلوب و طريقة التعبير جعلت الشاعر يستأنس بالزمن، و بالأرض لكي يكشف لنا هذا الشكل الجديد الذي يعود إلى وحدة التجربة التي فرضت وحدة التعبير، لأن الشاعر لم يبلغ ذروته إلا بالحياة المتحركة التي تحتاج إلى مسافة تعادل مسافة الزمن الكيميائي و النفسي، إذن نتساءل هل يستطيع القارئ أن يستنطق هذا المكون الشعري؟ سؤال يقربنا إلى إشكالية الإبداع الأدبي و معاييره لأن لغة الشعر الحديث هي أقرب إلى اللغة اليومية كما يرى محمد النويهي، لأن المبدع في نصوصه إما أن يتناول لغة تقليدية كما السياب (مدينة بلا مطر) أو لغة الحديث اليومي كما عند أمل دنقل كما في قصيدته <<البكاء بين يدي زرقاء اليمامة>> لأنه يجعلها إيحائية ليوحد بين الفكر و الشعور، و ليغلق عالما مشكلا عن تجاربه العادية، فالمتلقي لا يستطيع أن يعرف الخلفيات المرجعية لدى هؤلاء الشعراء و الدراميين أمثال الطيب الصديقي، وعبد الكريم برشيد، و ونوس و علي الراعي، أو عند أدونيس، و صلاح عبد الصبور لذا تطالب من الوزارة الوصية أن تبدع فضاءات للقراءة الورقية، و الرقمية، و أن تطالب بالمردودية التأليفية و الإبداعية و النقدية، لا أن نبقى مستهلكين و خارجين عن سؤال النص، فالنص ينبغي أن يتسم بالحوار التناصي لكي يهدم الرؤية الشعرية التقليدية، فالتعبير بالإيحاء و الإشارة و الصور المقتضية تخلصنا من أخيلة الماضي لتوسع مجال الصورة كما في (نهر بويب) للسياب، أو مسرحية إبن الرومي في مدن الصفيح، أو ظاهرة الشعر الحديث، و الرجوع إلى الطفولة، و دفنا الماضي و صندوق العجائب، و في الطفولة أو نصوص شعرية و نثرية (قديمة و حديثة)، لأن الرغبة في تحديد المفاهيم رغبة جديدة تتجاذبها رياح التقديس والتغريب، و الاستهلاك إلى الإنتاج و من الخارج إلى الداخل، و من الأدب إلى الأدبية، لذا يصبح السؤال المعطى الخارجي سؤال النص في تشكله بمعنى في تحليله لذلك المتن المصور، فإن كان ما يحكم النص هو السؤال المنهجي حيث التقويم و التركيب يبقى عبارة عن خطابات تحافظ على أنويتها الممكنة، و من ثم يغدو النص المدروس سلطة تتسم بالعنف، و بالرمز، و بالأسلوب الذي يبني الجسد كأيقونة، أمثل ما أقوله بنصوص محمد بلمو الحاضرة في أكثر من قصيدة: أراك تكتسح زماني / كأن الدقائق أنت / كأن الشعور أنت / كأن صوت السنون / حين تهب / روح التراب / أتلذذ الهواء يسري في العروق / يجري في الدروب / و الشقوق نفسها تذوب / هواء البدايات / يستنهض الذاكرة المتعبة / حين يخلق طفلا مع السحاب / فوق مرتفعات الأحلام / الفجاج و الأحواش / بين الدروب، و فوق السطوح تتأمل السماء بلا كلل و انطلاقا من هذه السطور الشعرية ندرك أن قراءة النص لا يتحقق إلا وفق مرجعية فكرية اجتماعية، فسؤال المبدع يتضمنه العنوان أو العناوين دون أن يبيح بها تاركا المهمة للنص، فقد نعرف أن هناك من يريد قراءة الشعر أو الرواية أو المسرح، و هناك من يمنعه عن إنجاز فعل الانبهار أو الاندماج، أو المصالحة، أو النقد، غير أن هذه الصعوبات لا زالت تواجه الطلبة و التلاميذ، و من بين هذه الصعوبات المنهجية نذكر منها على سبيل المثال: إشكالية تقديس التراث، و أصالة اللغة العربية، و مشكلة التراث (المحافظين) و مشكلة العروض، و الإيقاع، و الصور الشعرية – إما في الرواية فنجد: التعريف – العوامل – الرواد – و أقسام الرواية – و المشيرات الخارجية – الخطاطة السردية و الحبكة و الرؤية السردية – دون استحضار التجارب الحديثة و المعاصرة، و أخيرا المسرح – نجد: التعريف، الشخصية – الحدث المتن، و المبني – والإرشادات المسرحية – الظواهر المسرحية – الممثل – الديكور – الإخراج – الإنارة – الموسيقى – وغياب الجسد – و لغة الجسد – الرؤية الإيديولوجية – فهذا الثالوث المرجعي يظهر إلا من خلال القيام بممارسة القراءة النقدية، لأن هذه الممارسة تأثرت بأكثر من تيارات فكرية و لسانية، و نفسية و وجودية وماركسية و بنيوية، فالنقد انصب على الأثر الأدبي كموضوع عقلاني يعالج قضية النص، و المبدع، والقارئ، فهو الذي يفتح المجال أمام هذه المناهج أو لها المنهج التاريخي الذي شيده: سانت وتين وبرونتيير، و لانسون، و قد أخذه العديد من نقادنا: كطه حسين، و سلامة موسى، ثم ابراهيم السلامي، و عبد الله كنون و حنان الفاخوري، حيث اعتمدوا على الطابع الدياكروني الذاتي، و البيئة و الجنس و الوصف، والسرد، فأصبحت رؤية المبدع تسمح لنا باكتشاف شخصيته و بأنه الشفافية تامة و كاملة بين حرفية النص و بين المؤلف و مقاصده كما تقول نهاد التركلي في كتابها “اتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر” ص18، لكن التطور الجديد لم يعد يستوعب هذا المعطى التاريخي بل انخرط في جنس العلوم الإنسانية و أخذ النص يتخذ أطوارا مميزة كما تقول ناتالي ساروت، من طرف العلوم الإنسانية، فتغيرت طريقة تقدير العلاقة التي تربط الأثر لمؤلفه و تطويرها محسوسا، كما تقول نهاد التكرلي في المؤلف المذكور ص5، و عمل سارتر في كتابه “ما الأدب” – 1947 – إلى ربط هذا النص بمفهوم الالتزام، مجردا الكتابة من كل غائية، جاعلا الفعل الاجتماعي النضالي هو الرابط بين الكاتب و البعد الواقعي و يرى كافكا “أني أكتب خلاف ما أتكلم وأتكلم خلاف ما أفكر، و أفكر خلاف ما يجب أن أفكر و علم جرى إلى أعمق أعماق الغموض كما تقول نهاد التكرلي ص25، فهذا يدلنا لمعرفة المعيقات التي تقف أمام المتلقي دون فهم ممكنات النص، و من هذه المعيقات:
– عدم الدقة في تحديد موضوعات النص في شكل أهداف قابلة للتحقق و التحليل.
– عدم العناية بأدوات التحليل الكلية.
– عدم تظيف المكتسبات في وضعيات متنوعة عن وضعيات البناء3.
إذن يقتضي النص الدراسة للتمكن من تحديد القدرات المستهدف تقويمها لدى القراء، و كذا ربط هذه الدراسة بوضعيات تحفز المتعلمين على تحريك مواردهم النصية و اللغوية، و استحضار مقتضيات الإطار المرجعي في إعداد أنشطة حرة، لأن هذا الاستثمار هو استكشاف التعثرات و إعداد مقترحات اجرائية من خلال هذه الورقة المقدمة أمامكم و هي على الشكل التالي: كيفية تحليل النص الأدبي و عوائقه المنهجية والتفكيكية، لأن هذه المنهجية لا تستجيب لحاجيات المتلقي العربي، لأنه يعيش في عالم افتراضي غير مرئي، مما يستدعي التفاعل بين الرقمي و الورقي سواء على المستوى الاندماجي أو التفاعلي أو النقدي لذا قدمت هذه المنهجية لتكون بوابة أمام القراءة لتصحيح كيفية تحليل النص الشعري الحديث.
1)- تشخيص المكتسبات:
– ما هي العوامل التي ساعدت على بروز الرؤيا؟
– اذكر أهم الخصائص التي ميزت هذا الشعر؟
– من هم رواد هذه الحركة أو الجماعة؟
2)- ملاحظة النص:
– ما الفرضية التي توحي لك ملاحظة الشكل الخارجي للقصيدة؟
– ماذا يقدم لك العنوان؟
– لاحظ بداية النص و توقع العلاقة الرابطة بينها.
– افترض في ضوء إجابتك السابقة اتجاه القصيدة و موضوعها.
3)- فهم النص: أجب عن الاسئلة التالية:
– ماذا يقول الشاعر؟
– بماذا يحس داخل النص؟
– ما علاقة الشاعر بالعالم الخارجي؟
– كيف المزج بين الذات و الموضوع؟
– ما المال الذي انتمى إليه؟
4)- تحليل النص:
– اقتراح عنوانا لكل مقطع من مقاطع النص.
– حدد نوع العلاقة التي تربط بين هذه المقاطع.
– استخرج من النص المقومات الدلالية لكل مكون من المكونات الآتية ثم ضعها في الجدول التالي.
– حدد دلالة كل مكون مبرزا طبيعته المباشرة أو الرمزية، و الأسطورية معللا جوابك.
– حدد العلاقة بين عالمين مادي أو أسطوري.
– بين كيف ينسجم العالمان في نظر الشاعر.
– ما هي الرؤيا الاستشرافية في النص و مقوماتها؟
5)- تحديد المكونات الفنية:
– حدد الصور الفنية الموجودة.
– تحديد البنية الايقاعية. (الإيقاع الخارجي – الروي – القافية – الوزن) (الإيقاع الداخلي – الأصوات- الحروف – الكلمات – الترادف – التكرار – التشابه – التوازي – التضاد – أدوات الربط النمطي – المستوى – الجمل الخبرية – الإنشائية).
– أبعاد النص.
لكن إذا انطلقنا من كتاب “معايير تصنيف النصوص للباحث علي آيت أوشن سنرى أن هذا التصنيف يخضع لمستويات معرفية و أكاديمية، لأن النص لا يحمل بعدا دلاليا واحدا، بل يتضمن التعدد الدلالي، مما يجعل موضوع القراءة النصية معقد، لا يقتصر على الفهم وحده بل أن المشكل يرتبط بالدماغ، فالمتلقي عندما يقرأ لا يقرأ بعينه بل بدماغه، و هذا ما يقربنا إلى علم النفس المعرفي و كذا علم النفس اللغوي، فيتغير السؤال لماذا نقرأ؟ إلى كيف نقرأ؟ هل دامت النصوص غير متجانسة و غير مترابطة؟ لأن عملية القراءة مرتبطة بالكتابة كما يرى آيت أوشن علي، فالبعد الإبستمولوجي المعرفي يدعونا إلى طرح أسئلة خاصة لأن النص عبارة عن مكروبنيوي، لأنه يحتوي على النفسي، و الاجتماعي، و الثقافي و السياسي، والأدبي، كلها سياقات و اختيارات و قيم معزولة عن المتلقي، إذ العملية التفعيلية لا تخرج عن بعدين: بعد تقريري، و بعد ايحائي.
فهذا الأخير قابل للتجاوز المقروء عن طريق التحليل و التفكيك و التأويل، و يرى جون ميشيل آدام بأن تصنيف النصوص لم تعد تعتمد على التمثيل و المطابقة بل هي تجاوز لبناء استراتيجية التي ترتبط بالكتابة و القراءة، فالعتبات النصية ترتبط بالفهم كبنيات كليانية أي أن المتلقي لابد له من خطاطة ذهنية لكي يتلاءم مع طروحات الكاتب أو المؤلف، إذن كيف نشتغل بهذه المعايير؟ سؤال جوهري يقربنا من الكفاية التواصلية و الثقافية في النص، لأن القراءة المدرسية مفصولة عن الكتابة و اللغة، و أن المسافة بين النص و المتلقي بعبدة كل البعد، لأنه لا يعرف كيف يقرأ و يحلل، و يناقش، و يقوم، لأن النص كما قال آيت أوشن لا يستجيب لمتطلبات حاجيات المتعلم، لذا يصعب عليه اكتساب مهارات المناقشة، و الكفايات التواصلية والثقافية، فتأسيس استراتيجية قراءة تتطلب استحضار القارئ، أو القراء كما حدده ايزر، و ايكو و غدامير، و ياوس، كلها أشكال ضمنية أو حاضرة في النص، بطريقة تفاعلية، فالتجلي و الظهور كما يحدد بارت في كتابه “لذة النص” تجعل القراءة تاخذ شعريتها التعددية من خلال عملية التحليل، و التقويم، لذا فالنص لا يكون نصا، بل نصوصا كما ترى جوليا كريستيفا، مستمدة من العالم الخارجي المادي، و المعنوي، و من العالم الداخلي (المبدع)، لأن الخطاطة الذهنية لابد أن يعيها الأستاذ لكي يربط النص بالسياق، و الكفاية، لا أن يقتصر على الأهداف العامة أو الخاصة، فالمعرفة المدرسية لابد أن تربط العلاقة بين المبدع و النص والقارئ، و هذا الثالوث لن يتحقق إلا عبر استحضار التكامل بين الطرائق و الوسائل و التقويم و مهما يكن من أمر فإننا نطالب من الأساتذة أن يطوروا مهاراتهم المعرفية العالمة، و المدرسية قصد تحديد دقيق للمفاهيم الموظفة من قبيل القراءة المنهجية للنصوص وفق (المنهاج).
فالمدرس قادر اليوم على فسح المجال أمام رؤى المتعلمين لنسج الترابط بين النص و أسئلة الواقع، وبعدم المبالغة في التفكير في المفاهيم و الأدوات، لأن ذلك لا يسوق إلى التفكير في الوضع الإنساني و في الفرد والمجتمع و في الحب و الكراهية (تودوروف – الأدب في خطر) تر عبد الكبير الشرقاوي دار توبقال ص12، فالمدرس لابد أن يدمج معرفته لكي يتفاعل مع المتلقي من أجل تفعيل آليات هذه المقاربة بشكل سليم أي يحتاج إلى كفاية معرفية من تجلياتها اطلاعه على أسس المعرفة العالمة المرتبطة بنظريات القراءة (تاريخ الأدب اللسانيات – و السيكوبيداغوجيا) القراءة المنهجية و تدريس النصوص: تأليف عبد الرزاق التجاني و الجيلالي سرستو ص139، و مهما يكن من أمر، فإن هذا المقال ليس نقدا، بل عبارة عن وجهة نظر لا تدعي المطلق، بل تعتمد النسبية كسيرورة تأويلية و نقدية.
فالأزمة التي تعيشها المدرسة المغربية اليوم أي العنوان الأبرز للمشهد الوطني الذي يولد الصدمة والخيبة بتحولاته و إخفاقاته، من هنا ليست مسالة القراءة مجرد صدام بين المبدع و القارئ، و إنما هي صدمة المتعلم الذي تفاجئه أسئلة النص السياقي الثقافي و الرقمي و السياسي، كما جرى بنوع خاص بعد الاحتجاجات و الاعتصامات التي أصابت شظاياها المدرسة في مختلف أرجاء القرية و المدينة، و تلك هي المعضلة الكبرى التي تضع المتعلم أمام المأزق المعرفي، فهو ضحية الآخر كما يقول المناطقة، لأن هناك تواضأ بين السياسي و التربوي و السلطوي، من هنا أصبحت الحاجة إلى عقل تجريبي يتخطى العقل الانتظاري و الماورائي لكي يستثمل العقل التواصلي و التحويلي لتأسيس استراتيجية فاعلة في الخلق والتجاوز.
المراجع:
1)- بيير بورديو “الرمز و السلطة” تر عبد السلام بنعبد العالي – دار طوبقال ط2 – 1985.
2)- بيير بورديو “إعادة الإنتاج”ص36.
3)- Descotes M et ed «lire méthodiquement des textes » pp 20-21.