لا يدرك الكثيرون أن هناك من لا يكتب من أجل المال أو المجد أو الشهرة أو بدافع آيديولوجي ، وإنما يكتب لأنه مصاب بـهوس وجنون الكتابة – شقيقا شيطان الشعر- اللذان إذا غاب أحدهما أو كلاهما ، حفتت حماسة تعبير الكاتب عما يختلج بدواخله كإنسان ، وانطفأت مشاعر رغبته في البوح بها للناس ، وأصيب بأخطر أنواع الإفلاسات ، الذي يعني خسارة النفس التي ليس من السهل استعادتها ، كما هو الحال مع الافلاس المادي المرتبط عند الكثير من الناس بخسارة المال الذي يعوض باسترجاع المال أو الممتلكات ، المتمثل في الإفلاس الإبداعي الذي لا يجد معه الكاتب أي جديد يكتب فيه أو عنه الا قضايا لاتهم احد ، والتي يتكلف بترديدها بلا وعي ، وعلى طريقة خالف تعرف الاستفزازية المنفرة ، التي لا تمكن الكاتب أيا كان من إمتلاك تصور واضح عن ذاته ، حقيقة لا خيالا ، ولا تشعره بوجود الفرق الكبير والكلي بينه وبين جميع المخلوقات الأخرى ، ولا تحسسه بارتفاعه فوقها من حيث الموقع أو الكرامة أو القيمة ، واقعا لا نفاقا. ـــــــــ لأن من خصائص الكتابة الابداعية ، تمكين الإنسان من التعبير عن نفسه من خلال غيره ومحيطه ، وفقا لطقوس حياتية خاصة تشعره ببعض الأنس وشيء من السلوى وقدر من المؤانسة ، لا يراها إلا هو وخالقه المطلع على خفاياه المنطلقة من أحوال ودوافع داخلية لا تشبه أحوال الآخرين ، شبهها البعص بحالة المخاض ، وسماها البعض الآخر بحالة التجلي ، وعزاها البعض الثالث للتوأم الداعر والناسك ، اللذان يعشان في عقل ووجدان الكاتب ، ويتناوبان على الظهور في مختلف أحداث وتجارب حياته ورؤيته للعالم ، والمؤثر على الطريقة التي يسلكها الكاتب في التعبير عن أفكاره وعواطفه من خلال موضوعاته التي لا تحظى في الغالب بإعجاب القارئ واهتمامه، إذا كانت الغلبة فيها للتوأم الداعر ، بينما تتحول الكتابة مع انتصار التوأم الناسك إلى عمل فني أكثر إشراقًا وتوهجا ، يتدفق بألوان الجمال والموسيقا وروائع المعاني والآراء ، تدفقا يستميل الروح التي تهوى النفاذ إلى عمق حقائق الحياة الانطلاق في فضاءات النفس الإنسانية الساعية للبحث عن ما يغري قلب وعقل القارىء لمتابعتها وهو مغمور بالفرحة والدهشة والأسئلة.