فاتح ماي ليس عيداً لاحتفال الطبقة العاملة فقط ، بل هو يوم لتضامن يعمل مقابل راتب أو أجر ضد ظلم واستغلال “الباطرونا” لهشاشة أحواله وصعوبة ظروفه، و لاحتجاج ضد سياسات اللامساواة والعنصرية ونكران البرجوازية الرأسمالية لجميل الطبقة العاملة المدرة للأرباح.
فاتح ماي هو المناسبة التي يعبر فيها عمال مختلف دول العالم ، عن الفرحة والفرجة والاحتفال بما تحقق من مكتسبات ومصالح اجتماعية واقتصادية عبر تاريخهم النضالي الطويل للأفراد والجماعات ، والتنديد بكل السياسات المهددة بالتراجع عنها عبر طقوسيات خاصة بفاتح ماي أهم دلالاتها وتمظهراتها: تنظيم مسيرات عمالية جماهيرية حاشدة على مستوى أنحاء العالم ، لإبراز الاحتياجات العمالية وطرح مطالبهم النقابية ، في طقس تعيش احتفالياته كل شغيلة العالم في أجواء من البهجة ، التي كان من المفروض تعيشها كافة العمالة المصرة بمختلف مراتبها الوظيفية والعلمية والعملية ، سواء بالقطاع العام أو الخاص ، أسوة بعمل العالم وتخليدا لهذا العيد العمالي السنوي ، الذي تمنيت في مقالتي السابقة المعنونة “في انتظار مشاهدة تظاهرة فاتح ماي بمصر” تشاهدة أطوار الاحتفالات المصرية بفاتح ماي ، حتى أستطيع مقارنتها بتظاهرات العمال المغاربة في نفس اليوم، الرجاء الذي لم يتحقق ،يسبب عدم مشاركة العمالة المصرية في تظاهرات هذا اليوم العمالي العالمي -والذي لم يكن في هذا البلد يوم عطلة كما هو الحال في أغلب الدول- ونقل الدور التأطيري الذي تلعبه النقابات – في كثير من تفاصيله وتجلياته – خلال الاحتفالات العمالية الميدانية ،والمتمثلة في التظاهرات والوقفات والاحتجاجية ضد الأوضاع المزرية والمطالبات بالرفع من الأجور وتحسين الأوضاع المادية والاجتماعية لعموم الشغيلة، إلى المستوى السياسي ، الذي يبدو من الوهلة الأولى لغير المطلعين على واقع التنظيمات النقابية وتجاذباتها بأن هناك تناقضاً، أو أنه تصرف محبط، يضرب الانتماءات النقابية ويقبر ممارستها ، ويستهتار به مقابل المصالح الذاتية ، ولكن عندما نتمعن في الأمر بحيادية ونستقري كامل تفاصلها ، سنجد الواقع انما هو انقاد للعمل النقابي مما وصل إليه في كثير من البلدان العربية والمغاربية ، ونقاباتنا من بينهما –الا من اخذ الله بيده- من مسخ كثرة مركزياتها ، وتفسخ أهدافها، وانتفاء مكاسبها ، وتجبر شيخوخة قادتها ، وتشتت قلوب قواعدها ، وتفرق وحدتها ، وسهولة اختراقها ، وخذلان مناضليها ، وميوعة قادتها ،
وظهر جليا أنه وقاية للطبقة العاملة -منقبة كانت أو غير منقبة- مما يُلقيه قادتها ، في صبيحة ذاك اليوم ، مما يكتب لهم من كلمات و بيانات و بلاغلات نقابية مجترة لنفس عبارات الاستنكار والتنديد التقليدية والمتلونة بألوان الانتهازية المنهكة بجراح المتاجرة بملفات العمال في سوق الحوار الاجتماعي ، الذي يعجز عن حسم أي عمل نقابي لصالح من هم العمود الفقري لكل اقتصادات العالم..والذي يعوضه بخطابات جوفاء ،يستدل بها قادة النقابات الستار على مسرحية فاتح ماي ، قاسمها المشترك أنها تفتتحه بالسخط والاستنكار على ما تعيشه الشغيلة من مظاهر الإقصاء وتنتهي بالمحاباة والمجاملة والتماس العذر لمسيري شؤون البلاد، العذر الذي يُبقي أوضاع الطبقة العاملة على حالها، ويدعم ويعزز التوجه المصري الرسمي في نقل مراسيم احتفالات فاتح ماي من مراسيمه الفلكلورية/الدرامية ، إلى المستوى السياسي ووضعه بين أيادي المسؤولين الرسميين ، الأمر/الخطة التي مهما اختلفنا مع بعض شكلياتها المطبوعة بمنطق الأحادية والتبرير ، فإني أحبذ وأتمنى أن تتبناها الجهات الرسمية في بلادنا “المغرب” لأنها ومن دون شك سيريحنا من قبح مشاهد الخداع والنفاق وتصفية الحسابات وفداحة عري أدوارها التي تمثل على خشبة الشوارع العمومية ، باسم النضال من أجل الطبقة العاملة ، وخاصة إذا عملنا أنه سبق للمغاربة أن تمتعوا بهدوء خواء شوارعهم من تظاهرات فاتح ماي 2021 ، وذلك حين قررت فيه الحكومة منع جميع التظاهرات الميدانية، في ظل تطور الوضعية الوبائية بالمملكة وما قد تشكله التجمعات العامة الحاشدة من مخاطر ، والذي لم يغير من حال الشغيلة وأحوالها، ولم يقلل من أعداد النقابات التي أصبحت لا تعد ولا تحصى ،وكل فاتح ماي وعمال العالم بألف خير