لهذا علينا المحافظة على نجاحنا وإرثنا الثقافي بعد كأس العالم؟

لهذا علينا المحافظة على نجاحنا وإرثنا الثقافي بعد كأس العالم؟

لقد شدني في تصريح السيد فوزي القجع ، رئيس الجامعة الملكية ، خلال استقباله لبعثة المنتخب الوطني النسوي العائد من استراليا، تأكيده على أن بلوغ ثمن نهائي المونديال النسوي، الذي وصلته “لبؤات الأطلس” خلال مشاركتهن الأولى في كأس العالم للسيدات ،ما هو إلا نقطة بداية لمنعطف تاريخي ومسار زاخر بالتطور المستقبلي ، الذي وعد السيد “القجع” بمضاعفة جهود الرقي به، وتفعيل ما حققه من مكتسباته الجبارة ، وتعهد بالعناية اللازمة بأبعاده الثقافية والاجتماعية ،واستثمار نتائجه المشرفة في إحداث التحولات الإيجابية ، التي تتخطى سحر كرة القدم النسوية كلعبة أكثر بهجة وإثارة ، إلى ما يمنع تحول البصمة المشرفة التي تركتها لاعبات المنتخب الوطني في أول مشاركة لهن في بطولة كأس العالم للكرة النسوية ، مجرد مناسبة رياضية عابرة غير مواكبة لرؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس وجهوده الحثيثة من أجل تطوير الرياضة المغربية ، بشكل عام ، وكرة القدم بشكل خاص ، والكرة النسوية على وجه التحديد؛ التوجه القويم والتفكير السليم والخطة المحكمة ، التي لا تحُول فيها فرحة النجاح دون مواصلة العمل ، ولا يُكتفى فيها بالافتخار بأمجاد الماضي دون الاهتمام بالحاضر الذي استطاعت خلاله لبؤات الأطلس من إثبات قدراتهن على خوض التحديات وكسبها ، واستثمار المستقبل في تدبر حاجة المرأة الماسة إلى نماذج ملهمة تدفع بها لخوض غمار الخروج من أسر نمطية الصورة الدونية -التي رسمها الفكر الرعوي المتخلف للمرأة المغربية – إلى الصورة المثلى ،التي ستبقى علامة فارقة للأجيال والعقود القادمة ، كمحصلة كبيرة لما زرع فيهن من قيم وفكر وثقافة “تمغربيت”، -المسماة بالقوة الناعمة – التي منحت لدور المنتخب الرياض النسوي المغربي الطابع الاستثنائي في تعريف العالم بالمغرب ، وتقديم صورة مثلى عنه ، وتعزيز حضوره ومكانته في قلب الاهتمامات الدولية، في استراليا وعبرها في بقية أنحاء العالم ، بفضل قدراتهن الفائقة على لمس المشاعر العميقة والتأثير فيها من خلال الثقافة والقيم والأفكار والرياضة ، عبر ما يطلق عليه “دبلوماسية القرن الواحد والعشرين” و”وزارة خارجية الشعوب” والتي هي أكثر تأثيراً من العمل الدبلوماسي التقليدي الرسمي الذي يمتهنه المتخصِّصون في العلاقات الدولية، كما تبين من خلال المونديال النسوي الذي كان اختبارا حقيقيا لجدوى وفاعلية الدبلوماسية الثقافية التي تُعد الدبلوماسية الرياضية جزءا منها، والتي تحتاجها الدول اليوم أكثر من أي وقت مضى ، -رغم كونها دبلوماسية غير مدروسة – كوسيلة فعالة في ترويج ثقافة الأوطان وتعزيز حضورها في العالم، لما تتضمنه من قيم ثقافية قادرة على التقريب بين البشر ، وجعل من الأرض مكانا أفضل ، كما قال الكاتب الروماني “إيون دياكونيسكو” في وصفه لكرة القدم بأنها “تلك الأداة المميزة التي تنتقل من روح إلى روح،… كرة القدم ليست منقذا بكل تأكيد، غير أنها وسيلة من وسائل التقارب بين البشر” ، القول الذي خالفه “الفيلسوف هكسلي” بقوله :”إن رياضة كرة القدم تؤجج الصراعات بين الأمم وترفع من وتيرة القومية” ، كالذي نراه ما بين المغرب والجزائر ، جراء حسد الأخيرة من نجاحات المغرب في مختلف الميادين ، وما بين المغرب وفرنسا التي اعتادت على ترويج الخطابات الغربية الأقرب إلى العنصرية منها إلى الشعارات البراقة التي تدعي احترام الخصوصيات الثقافية للشعوب، ضد الصورة الحقيقية للإنسان المغربي القادر على الفعل متى تحققت له ظروف الإبداع. والأمر الذي كانت صوره جلية الوضوح أمام العالم ، قبيل وخلال المونديال ، خاصة فيما تعلق بغطاء رأس اللاعبة المتميزة نهيلة ابن زينة الذي تعاملت معه بعض المنابر الإعلاميين العنصرية الفرنسيين بعدائية مجانية وإزدرائية مقيتة حولت قضية بسيطة وعادية إلى حدث تفاعل عالم الكرة معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *