رغم اجهاد الكثير من الرياضيين الحالمين لأنفسهم في التدليل على دور الروح الرياضية في نشر التآخي بين ممارسيها ، ورغم جهوداتهم الطموحة المبدولة في إثبات أثرها في التقريب بين فريقي البلدين الجارين المغرب/الجزائر ، ورغم محاولة العديد من الملاحظين والمتتبعين المثقفين الطموحين للتنظير لما أدت إليه الرياضة من تعزيز للروابط الاجتماعية بين لاعبي شعبيهما الشقيقين ، وذلك من خلال لقطات وصور التقبيل والعناق التي أُلتقطت قبل وخلال وبعد المبارة ، سواء على أرض الملاعب بما سادتها من روح رياضية واسعة وإلتزام بقواعد اللعب النظيف والتنافسية الشريفة ، أو في المدرجات ، وما شهدته من أجواء احتفالية هستيرية ، ورغم كل هذا وذاك ، لم يستطع المثقفون والرياضيون الأكثر تفاؤلا ، التغطية على أن المباراة الفعلية بين منتخبي المغرب والجزائر لم تكن كذلك مبارة عابرة بين فريقي كرة تحمل كل تلك الروح الرياضية العالية غير المثأترة، بالمشهد السياسي المغربي/الجزائري ، والذي كانت صورة مصغرة مما يعرف من المماحكات والصراعات السياسية المؤسفة بين البلدين ، وأن أطوارها الفعلية كانت تدور خارج أسوار ملعب الثمامة القطري ، وبالضبط في “العامرية” حيث أُطلق النفير وجُيّش الذباب الإلكتروني ضد الفريق المغربي ووطنه ، الذي لم يكتفي المغرضون في معاداته بقطع العلاقات السياسية واغلاق أجوائه السماوية ، ومحو الخريطة المغربية من نشرة أحوال الطقس بقنواتهم الرسمية، ووصلت بهم الحقد والحسد إلى هتاف رئيس البلاد ورئيس أركان الجيش الشعبي ورئيس البرلمان علامي بملون ونصف مبروك ، لإنتصار فريقهم الوطني ، والذي هو من كامل حقهم ، لو لم يكن تلك التوصيفات الحربية الإستصغارية ، المستحضرة للمعجم العسكري الإستفزازي الذي صار طاغيا في جميع أحاديثهم عن المغرب ، البلد المسالم ، الأمر الذي لم يزد شهية الفيسبوكيين المستأجرين المصابين بما يمكن تسميته بــ”فوبيا الهوية” إلا زهوا وكبرا وغطرسة واشتهاء للإستعداء على أخلاقيّات الأخوة ، وانتهاكا لأبسط قيم الجيرة ، يشجعهم في ذلك هامشُ الحرية المعطى لهم من طرف الإعلام الإلكتروني -الذي لا يخضع النشر فيه لتقييم أو تقدير أو تمحيص أو مراقبة ، بخلاف ما كان عليه الأمر مع الإعلام الورقي الذي أخلى معظم الساحة لكل ما هو سيبيرني – ما دفع بالكثير من الفيسبوكيين لولوج حلبة الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، دون أن تكون لديهم معارف كروية ولا مهارات لغوية كافية تؤهلهم لذلك تأهيلا متمكنا ، الوضع الذي إضطر معه غيرهم من مستعملي الأنترنيت ، للتعامل مع زخم ردود أفعالهم الانفعالية المغرقة في العقليّة البدائيّة ، القائمة فى مجملها على الكلام المرسل واللهجة التي قوامها الشّماتة والحقد والرّغبة الغريزية في صلب الآخر ، التي ينشورنها ، وبشكل مخيف ، في العديد من المواقع الإعلامية المأجورة المتخصصة في التفذلك الوقح ، والفرض التعسفيّ والاستفزازي للآراء والسنن الغريبة المنافية للعقل والمنطق ، التي يخال المتتبع والمطلع عليها-للوهلة الأولى – أن روادها لا يجيدون القراءة ، أو أنهم لا يفهمون فحوى ما يقرؤون، بينما حقيقة الأمر ، أنهم يتعمدون عدم الفهم ، لإخفاء نواياهم في تسفيه جاد المنشرورات ورزين الكتابات ، بما يتقنونه من منفلت التعليقات الصادمة، المخضبة باللمز والغمز والنبز والوخز وغيرها من الشتم واللعن الذي لا علاقة له لا بمضامينها ولا بدلالاتها ، والتي تشي بحقيقة غاية أصحابها القسوى المنحصرة في تضليل بسطاء الناس وابعادهم عن كل ما ينور عقولهم ، ويخلِّقُ حياتهم العامة ، ويشكك في ولائهم للوطن وثوابته ، والذي يُعتمد في تحقيقه ، استنساخِ لغة محادثةٍ “زنقاوية” مليئة بالمغالطات المسمومة والدسائس المدثرة بشعار حرية التعبير عن الرأي المفخخة المطلقة للعواطف والمشاعر السالبة تجاه الآخر ، السلوك الهجين والمشين الذي يتطلب الحيطة والحذر مما يحيكه المصابون بهستيريا كراهية المغرب، ويستوجب الإحتراز مما يراكمونه من ويلات التفرقة والتشتيت ، التي تُفقد المجتمعات قدرة المواجهة ، وتقتل فيها حب الخير وتستحضر الشرور ، بكل ما تؤسس له من تداعيات شائنة محبطة للهمم ، ومكرسة لليأس والتشاؤم والإنكسارات الموجهة للوعي المجتمعي والرأي العام ، نحو الإنحياز إلى كل فكر وسلوك خالٍ من التفاعل النافع الواعد . الآن وقد وضعت “الحرب الكروية” أوزارها أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعصم مغربنا الحبيب من سفاهة السفهاء ، الذين لا يستثمرون كل طاقات شعبهم في نشر رديء الأحقاد المفرقة بين من جمعهم الله على أخوة الجوار والعرق واللغة والدين ، إنه مجيب الدعاء.