بحث في التراث /بقلم الكاتب عبد السلام الحداد المعلم الداومي ايقونة بني مزكلدة الفنية

خلال بحثي بين ثنايا مكتبتي , وقعت عيناي على شريط قديم يشغل على راديو كاسيت . نفضت عنه غبار الاهمال , فتحت الراديو كاسيت الذي ما زلت احتفظ به لشغفي الكبير بالاستماع الى البي بي سي (لوندرا) الذي ورثته عن ابي رحمه الله , ودفعت داخله الشريط .

لم انتظر طويلا حتى انفجر ايقاع موسيقى شعبية جبلية ما زالت مخزنة على الشريط كما في متحف بالات تقليدية عريقة : الغيظة , الطبل , البندير .

اجد نفسي منجذبا للإيقاع بعفوية , محاولا ترجمة ما تعبر عنه نغمات الغيظة من كلمات بالدارجة المحلية , انسانية وحياتية , ومستسلما للرقص من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين .

نغمات الاغنية بالغيظة بسيطة , ولكن لها انسجام عجيب مع الطبل والبندير , تفصح عن معاني متوافقة عميقة رغم بعدها عن عالم الشعر المألوف :
• ركبت على عين زورة وتشوش خاطري وشحال ابكيت
• مبياشي بلاذي
• بيا غالعايلة اللي خليث
• انا مزاوك يالجماعة
• حب الزين راني متولاع بيه

صوت غيظة المايسترو الجبلي الداومي , في استنطاق اخر لاغنية محمد العروصي , ينقض ك “يوعميرة ” على موضوع الغربة ولوعة الحب , يلقيه على عشاقه ومستمعيه الفنان القدير اينما حل وارتحل في تنقلاته الليلية بين اعراس دواوير القبيلة بطريقة فنية مذهلة ، تجعل الغضب الذي ينمو في الانسان عندما يحس بنفسه مهجورا يائسا او مهزوما ، ينطفئ وينقلب الى جرعات فرح بين الساعات الذابلة , وتستيقظ معه الأشياء الجميلة الساكنة في جذوع الروح المزكلذية العاشقة للمرح .

ياخذك الداومي , الذاكرة الفنية الجبلية المزكلدية على وجه الخصوص , الفياض بالثقة في النفس, بنفسه العميق, وانامله المتناوبة بحس فني رفيع وهي توضع وترفع عن ثقوب غيظته بصوتها الجهوري الرخيم , إلى التعبير عن حياة تهب فيها الريح العقيم , وعن دمعة حارقة توقظ عواء الروح في اثر هجر المحبوب الذي يتسامى على هجر البلاذ.

وحده المعلم الفنان الذي ظل لعقود ليست بالهينة يقدم ب * غيظته* تنمية المتعة . وعكس السياسيين انزلها من سماء الأعيان الى ارض العامة ، نابذا التراتبية التي تدعم الثقافة الاحادية ، وتتعالى على الممارسات الشاذة للثقافة الشعبية المزكلدية التي تدعو في ابهى تجلياتها الإنسانية التضامنية إلى اقتسام * الزبيبة*

فيا ايها الجبلي , لا تتردد بين الفينة والاخرى في أخذ دوش بانغام غيظة المعلم الداومي التي حولت كلمات الاغاني الجبلية صدى , وحلقت به بعيدا في سماء التالق , للحفاظ على حيوية جسدك ونبض قلبك الجبلي الذي تحمله .

وان لم يحز في نفسك مغادرة بلدك ، أرجوك قف قبل رحيلك ، عند زقزقة /غيظة هذا البلبل ، وانصت جيدا لعمق لحن الهوية ، واقرص مشاعرك بنغماته لتعرف قسوة الرحيل عساك تعدل عنه.

الغيظة من غَيْظ . والغيظ(اسم) صوت الغليان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *