بقلم : الاستاذ عبد المنعم زبار باحث في ماستر القانون الدولي والترافع الديبلوماسي
دأب المغرب منذ ما يناهز ستين عاما، تحوّل شهر رمضان إلى موعد سنوي قارّ مع جلسات علمية يحج إليها علماء المسلمين من جميع أنحاء العالم، تفتتح بالقرآن وتختتم بدعاء السلطان وبينهما دروس دينية وأحاديث نبوية تربط روح الإسلام برسالته الكونية.
فعلى غرار باقي مظاهر الاحتفاء التي يخصه بها المغاربة، يتميز شهر رمضان بتنظيم جلسات علمية كبرى بشكل شبه يومي قبل أذان المغرب، يحضرها الملك شخصيا، ليستمع إلى محاضرة عالم كبير من داخل المغرب أو من خارجه، مع افتتاح الجلسة بتلاوة القرآن واختتامها بالدعاء الذي يلقيه جلالة الملك.
وتتخذ هذه الدروس بعدا دوليا حين يحضرها أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في المغرب، حيث يشهدون هذا المجلس الذي يتمتع فيه المحاضر بالحصانة ضد أي اعتراض أو تعقيب من قبل الحاضرين، بل الكل مطالب بالإصغاء لما يقوله العالم الذي يكون حرا في اختيار موضوع الدرس.
ولا يحدث كل ذلك في إطار سري أو مغلق، بل ينقل عبر البث المباشر التلفزيوني والإذاعي، مما يجعله في مأمن من الرقابة التي يمكن أن تحد من حرية تعبير العالم فيما يود إبلاغه لملايين المشاهدين والمستمعين، خاصة في حضرة ملك البلاد وكبار مسؤولي الدولة من أمراء ووزراء وقادة للجيش.
وقد أعاد الملك الحسن الثاني إحياء الدروس الدينية التي سنّها أجداده السلاطين، مستلهما طقوس انعقاد هذه المجالس وطقوسها من عهد جده الحسن الأول، كي يضفي عليها هالة من القداسة المتمحورة حول شخص الملك. كل ذلك في سياق سياسي يرتبط بمحاولاته تثبيت أسس حكمه وإحاطته بمصادره الشرعية الدينية داخليا وخارجيا بما يستقيم ومكانته الدينية في
الشريعة الاسلامية.
فقد جاءت الخطوة بعد سنّ أول دستور للمغرب في وقت اشتداد الصراع بين الملكية في المغرب ومعارضة يسارية قوية، وفي سياق صراع وجودي بين قوى إقليمية ناصرية ترفع لواء فكر اشتراكي يأخذ مسافة من المرجعية الدينية، وبين أنظمة وراثية في المنطقة العربية تجد أسسها أولا في الشرعية الدينية.
وتعتبر الدروس الحسنية امتدادا لإرث تاريخي دشنه السلاطين العلويون ولقيمة الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بحضرة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله اليوم، ولدورها الفعال في التوجيه والإرشاد وبناء شخصية المسلم المتوازن الإيجابي في محيطه ومؤسسته ووطنه ،بدا التوجه الدبلوماسي واضحا في السياسة الدينية للملك محمد السادس، حيث ظهر ذلك على سبيل المثال في إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة،
وكذا إحداث مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، حيث تمت طباعة ونشر المصحف المحمدي في كافة المساجد المغربية وكذا توزيعها على مساجد بعض الدول الإفريقية خلال الزيارات الملكية لهذه الدول. كما حافظ الملك في هذا السياق، على الدروس الحسنية مع الإبقاء على تسميتها الأصلية للاستفادة من رصيدها الديني والإشعاعي ليتم توظيفها ضمن هذه الدبلوماسية الملكية. أما الدروس الحسنية الرمضانية اليوم وبطابها المعاصر وبشكلها الحالي التي يحضرها كوكبة من العلماء والمشايخ والدعاة والقراء وأصحاب الفكر والثقافة من المغرب وخارجه طيلة أيام شهر رمضان المبارك تحمل دلالات عميقة عن مدى تشبع الدين بالفكر والعلوم، وهكذا كانت “الغاية الإشعاعية للدروس الحسنية عبر تاريخها تظهر جليّا في هيمنة للعلماء المشارقة والأجانب على إلقاء الدروس الدينية والفكرية بها بالمقارنة بحضور العلماء المغاربة، مما يعبّر عن رغبة الدولة في جعل سلسلة الدروس الحسنية مناسبة للإشعاع الديني للمغرب وبالأخص في إبراز الزعامة الدينية لعاهل البلاد” وللمملكة المغربية وهي تشريف بطبعه للشعب المغربي قاطبة وفرصة ثمينة للتزود المؤطر.
الكاتب: عبد المنعم زبار باحث في ماستر القانون الدولي والترافع الديبلوماسي