بدر شاشا
في المغرب، نجد أحياناً أن العديد من الأسر تتمسك بفكرة إنجاب عدد كبير من الأطفال، ويعزو البعض ذلك إلى تقاليد أو ثقافة راسخة تربط بين كبر حجم العائلة والقوة أو المكانة الاجتماعية. هذا التفكير الذي قد يبدو للبعض منطقياً، يحمل في طياته تحديات كبيرة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية.
إن إنجاب عدد كبير من الأطفال دون التخطيط الجيد لمستقبلهم، ودون التفكير في الإمكانيات المادية والعاطفية المتاحة لرعايتهم، هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. يُلاحظ في العديد من الأسر أن الأب أو الأم يبدأ في الشكوى من صعوبة تلبية احتياجات الأطفال العديدة، سواء من حيث التعليم أو الصحة أو حتى في تأمين الضروريات الأساسية كالملبس والمأكل.
إن هذه الشكوى المتكررة تأتي في كثير من الأحيان نتيجة لقرارات غير مدروسة، حيث ينظر البعض إلى إنجاب الأطفال على أنه نوع من التفاخر أو امتداد للهوية العائلية دون أن يضعوا في الحسبان التحديات التي ستواجههم في المستقبل. ولكن من المهم أن نطرح السؤال: من الذي أجبر هؤلاء على تكوين “فريق كرة قدم” كما يُقال؟ الحقيقة هي أنه لا أحد يجبر الإنسان على إنجاب عدد كبير من الأطفال سوى نفسه وقراراته.
من الضروري أن يفهم الجميع أن المسؤولية تقع على عاتقهم وحدهم. فإذا اختار الفرد أن يُنجب العديد من الأطفال، فعليه أن يكون مستعداً لتحمل تبعات هذا القرار. ليس من المعقول أن ينجب الإنسان أطفالاً ثم يبدأ في الشكوى من الفقر وصعوبة الحياة. يجب على كل فرد أن يتحمل مسؤولية قراراته، وأن يفكر ملياً في قدراته المادية والعاطفية قبل أن يقرر زيادة حجم أسرته.
وفي هذا السياق، نجد أن تغيير هذه العقلية يتطلب جهوداً جماعية تبدأ من التوعية والتثقيف وصولاً إلى وضع سياسات تشجع على التخطيط الأسري المسؤول. من العيب أن يبقى المجتمع المغربي عالقاً في دائرة الفقر والاحتياج بسبب قرارات غير مدروسة تتعلق بالإنجاب. الأطفال هم نعمة، ولكن يجب أن يكون لديهم البيئة المناسبة للنمو والتطور، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحديد عدد معقول من الأطفال يمكن للأسرة أن تعتني بهم بشكل لائق.
ولذلك، إذا أردنا فعلاً تحسين مستوى المعيشة في المغرب وتجنب الوقوع في فخ الفقر المزمن، يجب أن نتبنى عقلية جديدة تقوم على الوعي والمسؤولية. إنجاب ولد أو ولدان يكفي لتوفير حياة كريمة لهم، يمكن أن يُدرّسوا بشكل جيد، وتُلبسهم بأفضل شكل، وتوفر لهم مستقبلهم. أما التفكير في أن كثرة الأبناء ستكون مصدر قوة أو سند في المستقبل، فهو تفكير خاطئ إذا لم يُصاحبه التخطيط والوعي بالقدرات الفعلية للأسرة.
هذه الدعوة لتغيير العقلية لا تستهدف فقط الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود، بل هي رسالة للجميع بأن القرارات المتعلقة بالإنجاب يجب أن تكون مدروسة وتستند إلى الإمكانيات الحقيقية للأسرة. نحتاج إلى تغيير التفكير الذي يربط بين الفخر وكثرة الأبناء، واستبداله بفكر جديد يقوم على الجودة وليس الكمية، على الرعاية الحقيقية والتخطيط الدقيق لمستقبل الأبناء.
إن المجتمع المغربي اليوم بحاجة ماسة إلى تبني قيم جديدة تتماشى مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها. الفقر ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة لسلسلة من القرارات التي يمكن تغييرها إذا ما تغيرت العقليات. المسؤولية الفردية والجماعية تقتضي أن نبدأ في التفكير بجدية في كيفية تحسين حياتنا وحياة أبنائنا من خلال اتخاذ قرارات واعية ومسؤولة.
تغيير هذه العقلية يبدأ من إدراك أن الإنسان ليس مجبراً على إنجاب عدد كبير من الأطفال ليشعر بالاكتمال أو الفخر، بل يمكنه أن يكون أباً أو أماً ممتازاً لطفل أو طفلين، يقدم لهم كل ما يحتاجونه ليكونوا أفراداً صالحين ومساهمين في المجتمع. إن تقليل عدد الأبناء لا يعني تقليل الحب أو الرعاية، بل هو بالعكس، يعني القدرة على توفير حياة أفضل، وتعليم أفضل، وفرص أفضل للنجاح في الحياة.
يجب أن ندرك أن المستقبل الذي نريده لأبنائنا يبدأ بالقرارات التي نتخذها اليوم. إذا أردنا فعلاً تحسين ظروفنا وظروف أطفالنا، فعلينا أن نتحمل مسؤولية قراراتنا وأن نكون واقعيين في توقعاتنا. الفقر ليس مبرراً، بل هو نتيجة يمكن تجنبها إذا ما تبنينا عقلية جديدة تقوم على الوعي والمسؤولية. إن المجتمع المغربي بحاجة إلى هذه التغييرات الضرورية لضمان مستقبل أفضل للجميع.