بقلم الاستاذ : حميد طولست
السينما وسيلة من أهم وسائل التعبير الفني التي عرفتها البشرية،كأداة تواصلية دعائية تهدف إلى إيصال رسائل معينة ،ثقافية واجتماعية وسياسية، عبر سلطة الصورة المتحركة على مخيلة المتلقي ، تلك السلطة الذي علم صناعها والمنتفعين منها بمدى تأثيرها على الإنسان ، ودفع بهم لاستغلال قوة مفعولها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا عبر التاريخ، كما فعل أدولف هتلر الذي حين استعملها بنجاح خلال الحرب العالمية الثانية، كأداة دعائية تداخلت فيها الإيديولوجية بالسياسة بشكل متعمد ، جعل النقاد والباحثين يؤسسون لها إطارا مفاهيمي سمي بسينما الدعاية ، فهل فلم “حياة الماعز” 𝐓𝐇𝐄 𝐆0𝐀𝐓 𝐋𝐈𝐅𝐄”الذي ملأ مؤخرا الدنيا لغطا وجدالا ، من تلك النوعية التي استخدمها أدولف هتلر ، ليبرهن على القوة الخام للأفلام.؟
فيلم “حياة الماعز” ليس من نوعية الأفلام التي استخدمها أدولف هتلر كأداة دعائية لدعم النازية وتعزيز الأيديولوجية السياسية للحزب النازي خلال الحرب العالمية الثانية، لأنه فيلم درامي أنتج عام 2021، من إخراج يوسف أبو شحادة ويتمحور موضوعه حول حياة العمالة الوافدة إلى الخليج العربي ، ويركز فيه على الظروف والتحديات والصعوبات التي يواجهونها بسبب نظام الكفيل الذي كان معمولاً به في السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى، والذي أثار اهتماماً واسعاً به وسلط الضوء على المشاكل المتعلقة بنظامه ، الذي قد يساعد على رفع الوعي حول معاناة العمالة المهاجرة وظروفها القاسية، الوعي الذي يمكن أن يكون له تأثير على المجتمع المحلي والدولي ، ويزيد من ضغطهما على الدول التي تعتمد نظام الكفيل ، فيسهم في فتح نقاشات حول الحاجة لإصلاح نظام العمل ببلدان الخليج، بما في ذلك نظام الكفيل، ويدفع بالجهات المعنية إلى التفكير في تغييرات قد تؤدي إلى تحسين ظروف العمل والعمالة ، ومن خلال ما سلطه الفيلم على نظام الكفيل من أضواء ، قد لا يكون لها تأثير مباشر وفوري على السياسات الحكومية لبعض الدول الخليجية ، التي سق أن بدأت في السنوات الأخيرة في مراجعة وتحديث نظام الكفيل، وإدخال عليه إصلاحات تحسن حقوق العمال ، لأن الأفلام من نوعية “حياة الماعز” يمكن أن تلعب دوراً هاما في تسريع التغييرات المجتمعية من خلال زيادة الوعي حول قضايا مثل حقوق الإنسان، والتفاوت الاجتماعي، والتغيرات البيئية والتأكيد على الحاجة لإصلاحها، من خلال تصوير قصص وتجارب بشرية متنوعة تروج لقيم معينة تعكس صراعات اجتماعية تؤثر على كيفية فهم الناس لأنفسهم وللآخرين وتساهم في تحفيز النقاش والتفكير النقدي بينهم على اختلاف ثقافاتهم .
وبذلك تبقى السينما “الفن الناعم ” في حقيقة أمرها عملا تثقيفيا يحرك المشاعر ويشكل الحياة ويؤثر في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي المغير للمجتمعات ، بذل كونها مجرد أعمال مسلية ترفيهية، كما يعتقد الكثيرون ، ما جعل صناعتها تزدهر وتتطور باستمرار وتزداد انتشاراً ليس عبر دور السينما فقط ، بل بفضل التكنولوجيا والابتكارات الرقمية التي ملأت الدنيا ،كالإنترنت والحواسيب الشخصية والهواتف المحمولة ، وما لها من تأثير كبير على كيفية استهلاك الأفلام والمحتويات المرئية بشكل عام ، التي أصبح معها من المستحيل على أية قوة كيفما كانت ، منع انتشارها المهول في كافة المجالات والاستخدامات ، كأداة ووسيلة فعالة للتغيّر الحضاري، أو لتغيير أفكار الإنسان ومعتقداته ، أو لتغيير وتشكيل توقعات الناس، خلال الاستحقاقات الانتخابية ، أو للترويج لأيديولوجيات معينة الداعمة للقضايا السياسية أو الدينية، أو لتقديم رؤى حول التغيرات الثقافية والسياسية في بعض المناطق ، سواء كانت جميع التغييرات في مصلحة المنتفعين منها من الحزبيين والسياسيين وصناع القرار، أو لمنفعة الشعب ،
وبعيدا عن كل تلك الأمور الفنية والتقنية والسياسة المصاحبة لسينما، فلنظر لهذا العمل الخارق من المنظور الإنسانية الذي افتقده عالمنا ، والذي أظهر زواله من مجموعة بشرية غير مكترثة كادت أن تمحق إنسانية نجيب الهندى بطل الفلم- الذي باع كل ما لديه لكي يسافر إلى السعودية ليتخلص من الفقر ويحقق أحلامه ويبني بيتاً يضم زوجته وابنه القادم .- وتحوله إلى حيوان، والذي بالفعل جعلت منه حيوانا آدميا ، وجد نفسه في سجن صحراء لانهائية ، وتحت رحمة رب عمل بدوى قاس غليظ القلب لا ترجى منهم رحمة ، عامله بأسوء ما يعامل به بهائمه، في الوقت الذي لا يفتر لسانه عن ذكر اسم الله ، وهو في أبهى صور البعد عنه ، السلوك الذي يبدي مدى الأذى والضرر الذي يصيب الإسلام ويسيء له بسبب تصرفه المنافق ..
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد قرأت قصة عن سلوك إنساني لأحد الكفار – كما يحلوا للذين أنتج فلم “حياة الماعز” من أجل فضح لا إنسانتهم- يحكى من خلالها تعامل المدرب “توماس توخيل” الإنساني مع عاملة استقدمها من الفليبين لرعاية وخدمة المنزل الذي انتقل إليه هو وزوجته في ضواحي العاصمة باريس ، عندما أنتدب لتدريب فريق “باريس سان جرمان” الفرنسي عام 2018 ، وبعد سنوات علم توخيل وزوجته أن العاملة تضحي في عملها لهدف واحد، هو توفير مبلغ مالي يمكنها من إجراء عملية جراحية على القلب لأحد أبنائها المتواجد في الفلبين ، فقررا التكفل بتمويل العملية الجراحية التي تكللت بالنجاح ، واستعاد الطفل عافيته…
لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد ، إذ أنه وقبيل إقالة “توماس توخيل” من “باريس سان جرمان” والتحاقه بنادي تشلسي الإنكليزي ، فكر وزوجته في مكافئة العاملة الفلبينية على حرفيتها وجديتها ونشاطها في العمل دون كلل أو ملل أو تشك ، فسألاها عن أكبر حلم لها في الحياة، فكان جوابها، أنها مشتاقة كثيراً لعائلتها المتواجدة في الفلبين، وأنها تحلم بالعودة في يوم ما لبلدها، وتبني منزلاً هناك تقضي فيه بقية حياتها مع أفراد عائلتها، فما كان منهما ألا أن حققا لها ما لم تكن تحلم به إطلاقاً، حيث اشتريا لها فيلا فخمة في الفلبين تعيش فيها حالياً مع عائلتها…
فأين الكفيل المسلم من سلوك “توماس توخيل”مدرب كرة القدم الكافر !!!!؟؟؟؟؟