حميد طولست
الإعلام يلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام ونقل المعلومات، لكنه في بعض الأحيان ، يبالغ في التركيز على تفاصيل جوانب من أحداث أو وقائع أو قضايا معينة ، فيضخم فيها البسيط ، ويبسط الضخم والمعقد ، لتصعيد الدراما أو الجاذبية أو للحصول على “الترند” ، ما يضطره للجوء إلى نشر المعلومات المغلوطة والحقائق الزائفة ، التي يؤذي تداولها إلى تأثيرات سلبية كبيرة تسهم في انحراف الرأي العام عن الحقيقة، وتؤثر على كيفية فهم الأفراد والجماعات للأحداث و القضايا، وتدفع بهم للتصرف معها حسب ذلك الفهم المبني على المغلوط من المعلومات الغير مميز بين صحيحها و زائفها ، ما يجعل ضرورة التحقق من دقة المعلومة ومصادرها أمرا حاسما ، حتى لا يقع المرء في مغالطاتها ، التي وقع في مغبتها المنتخب المغربي عند مواجهته لمنتخب التسوتو في المباراة الرسمية ذات الطابع الودي، التي جعل منها الإعلام مباراة سهلة وفرصة سانحة لتسجيل المنتخب المغربي عددا كبيرا من الأهداف على منتخب لتسوتو الذي قزم -نفس الإعلام- من شأنه وصور للمدرب واللاعبين أنهما “داروه في جيبهوم” كما في المثل المغربي الدارج، المناقض لمضمون المثل المغربي القائل:” العود اللي تحكرو يعمي عنيك” والذي يحذر من التقليل من الخصم مهما كانت ضآلته ، ما جعل نبوءة المثل تكاد تصدق ويعمي عود ليسوتو الضعيف عين المنتخب المغربي القوي ، لولا الهدف المتأخر من براهيم دياز ، الذي كان حاسماً في تجنيب المنتخب المغربي مفاجأة غير متوقعة ، في مباراة لا يمكن إنكار أن منتخب ليسوتو قدم خلالها أداءً جيدًا، كاد أن يُحقق نتيجة إيجابية ضد منتخب قوي”الغرب”، الأمر العادي في كرة القدم والذي يحدث في كثير من الأحيان ، حيث تقدم الفرق الصغيرة أداءات مميزة في ظروف معينة ، ما جعل إذ تأثير الأداء الجيد لفريق لتسوتو الأقل تصنيفًا ، يؤثر سلبا على سمعة المنتخب المغربي الأكبر والأفضل ، رغم فوز هذا الأخير ، الذي عليه أن يستفيد من الدرس ، لأن الانتصار مجرد ثلاث نقاط ، وكثرة المديح والإشادات تنفخ المنتخبات واللاعبين ، فينصدمون عقب أي تعثر ، لذلك من المهم للفريق المغربي أن يحافظ على مستواه العالي وتطوير أدائه باستمرار، ويتعامل مع كل مواجهة على حدة ، وخاصة المباريات التي تُعد مفصلية في التصفيات أو البطولات الكبيرة ، لأن المشوار لا يزال طويلاً ، ويحتاج إلى صبر وحكمة.
وذلك ، وبناء على ما حققه المنتخب المغربي أمام لتسوتو من الانتصار “على قد الحال” -كما يقال في دارجتنا المغربية – والذي أنهى به المنتخب المغربي المباراة، وأن كان و”قدي الغرض” كما يقال كذلك في الدارجة العامية المغربية ، فقد جعل المغاربة يشعرون بالقلق من الطريقة التي اعتمد عليها المنتخب المغربي مع مع مباراة لتسوتو ، والتي لم تخرج عن كونه يتعامل مع كرة القدم باعتبارها مجرد رفاهية ، وأنه ربما لا يملك المقومات التي يمكن أن يعتمد عليها مع مختلف الفرق ، رغم الإحلال والإبدال والكثير من الإضافات الجديدة،التي قلت فيها الروح والرغبة في تحقيق الانتصار، التي سبق أن لمسناها في مباريات مونديال قطر، التي كانت عزيمة الفريق فيها واضحة، وصنعت الفارق، وتمكنت من قلب النتائج على أبطال العالم.
وقد صدق مدرب منتخب ليسوتو في تصريحه المتسم بالفخر والاعتزاز ، الذي وجهه للاعبي فريقه لرفع معنوياتهم وتقدير أدائهم الجيد الذي قدموه أمام منتخب قوي مثل المغرب، حين قـال: “نحن من فـزنا وليس المغـرب لعـبنا مع منتخـب مصنف رقـم 1 إفريقيـا وعربيا ، أنا جـد سعيد للغـاية باولادي لـقد قدموا مبـاراة للتاريخ وخسـروا بصعوبة ، وهم فريق مغمور في القارة الإفريقيا ولم يسبق له نهائيا بلوغ نهائيات كأسها” ..
في النهاية، تُظهر مثل هذه المباريات مدى أهمية التوازن بين الثقة بالنفس واحترام الخصم، وأهمية الإعداد الجيد لكل تحدٍ، مهما كان حجمه أو تصنيفه.
تحياتي للمنتخب المغربي ولمدربه الفذ الركراكي ، وسير سير نحز الانتصار..