بقلم الأستاذ عبد المنعم: باحث في ماستر القانون الدولي والترافع الدبلوماسي
جاء القرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب سنة 2007 تحت السيادة المغربية ليشكل منعطفا تاريخيا في مسار قضية الصحراء الغربية المغربية، إلى صف سلسلة من المواقف والاعترافات الدولية التي أكدت كلها على وحدة الأراضي المغربية، والتي كان أهمها الاعتراف الأمريكي الصريح بمغربية الصحراء. هذا التحول الجذري في الموقف الفرنسي، الذي جاء بعد سنوات من الغموض والحياد الحذر، يعكس تحولات عميقة في المشهد الدولي وتغيرا جذريا في الموازين الدولية واعترافا بالواقع التاريخي والسياسي والقانوني وتعزيزا لشرعية الوحدة الترابية للمغرب على أقاليمه الجنوبية، كما يمثل في المقابل ضربة موجعة لأوهام الانفصاليين ومن يدعمهم ويزيد من عزلتهم على المستوى الدولي، وهو كذلك انتصار للدبلوماسية المغربية وخطوة مهمة نحو حل نهائي لهذا النزاع المفتعل.
القرار اتخذ بالتزامن مع الذكرى الـ25 لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، حيث قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في رسالة موجهة إلى العاهل المغربي – الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء الغربية المغربية.
مؤكدا في رسالته أن مخطط الحكم الذاتي المغربي لعام 2007 هو “الأساس الوحيد” لحل “التنافس الإقليمي” بين الرباط والانفصاليين الصحراويين التابعين لجبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973 على الأراضي المغربية بدعم خالص من أطراف خارجية هدفها الوقوف في مسيرة استقلال وتقدم الدولة المغربية بكل الوسائل.
الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، سيكون له تأثير على جميع المستويات، خصوصًا في ما يتعلق بتطور العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس في مجالات السياسة والاقتصاد، وكذا على مستوى مسار القضية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويُنظر إلى الاعتراف الفرنسي بمثابة انتصار للدبلوماسية الرصينة للمغرب بقيادة الملك محمد السادس، وسيكون أساس جديدًا لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الرباط وباريس، إذ يُعتبر هذا القرار خطوة مهمة لتعزيز وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات، كما سيساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث من المتوقع أن تدعم فرنسا موقفها الجديد في المحافل الدولية، وأن تعمل على حشد الدعم الدولي للمخطط المغربي للحكم الذاتي.
كما يُنظر لهذا القرار بمثابة صفقة سياسية، وتأكيد قوي على رغبة فرنسا في الحفاظ على نفوذها في شمال إفريقي في ظل التطورات التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، وطلب دول افريقية عديدة التخلص من تأثير باريس على المنطقة.
قاد الملك محمد السادس، خلال ربع قرن من العمل مسيرة استكمال الوحدة الترابية والوطنية، تمكن خلالها من تغيير مفاهيم ومعادلات وإيجاد حلول واقعية تستجيب لغاية سيادة الوطن على كافة أرجائه.
لعبت حنكة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، أنه سياسي من طينة نادرة وخبير في كيفية سير وعمل تشعبات العلاقات الدولية… وقد ظهر ذلك جليا من خلال مسارات تحضير المبادرة المغربية للحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، ثم تقديمها في أبريل 2007… وما واكب ذلك من ترسيخ دستوري للهوية المغربية الموحدة سنة 2011 وتحركات ورحلات شخصية لجلالة الملك محمد السادس في كل أنحاء العالم آسيا وأمريكا وروسيا وإفريقيا.
حيث شكلت العودة المغربية الى منظمة الاتحاد الافريقي في يناير 2017 خطوة هامة وذات ثقل جيوسياسي بعيد المدى، عودة تأسس لمغرب قوي على الساحة الإقليمية والدولية، حيث وجدت الدول الافريقية في عودة المغرب الى حضنه الافريقية فرصة للتعبير عن دعمها ومساندتها للخطوة ومناسبة لإعادة علاقات متينة ومتعددة الأوجه مع المستثمر الأبرز داخل من داخل القارة الافريقية.
واقع يبرز جليا من خلال انتصار قرارات مجلس الأمن الدولي للمبادرة المغربية، ومنذ سنة 2007، كان انتصارا للمقاربة الواقعية في أفق حل سياسي مع سقف وحيد هو مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
قاد جلالة الملك مسيرات هامة من خلال تخصيص برامج تنموية واستثمارات استراتيجية بالأقاليم الصحراوية وإشراك أبناء الصحراء المغربية في تدبير شؤونهم المحلية؛ من خلال مجالس البلديات والجهات ونواب برلمانيين وفعاليات نقابية وحقوقية وإعلامية… غيرت من صورة المنطقة ككل وجعلت من أقاليم الصحراء بوابة للعمق الإفريقي من خلال الميناء الأطلسي بالداخلة وشبكة الطرق وبرامج اقتصادية واعدة بالموازاة مع هذا المسار الدبلوماسي والسياسي.
مسيرة ربع قرن من العمل الجاد والمتفاني كان شعارها أن الصحراء هي قضية وجود وليست قضية حدود، وأن الحكم الذاتي هو السقف الوحيد، وأن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، وأن الصحراء هي قضية مركزية، وأنها أمّ القضايا، وأنها القضية الوطنية الأولى، وأن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ثم أن الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم ويقيم صدق الصداقات ونجاعة الشراكات… وهي كلها عناوين لمراحل القضية الوطنية الأولى وبارومتر سياسي للدينامية الدولية الإيجابية التي عرفها ملف “أم القضايا” المغربية من خلال تناسل الاعترافات بمغربية الصحراء وتدشين مقرات قنصلية بكل من العيون والداخلة.
ختاما فالاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء شكل تحولا دبلوماسيا تاريخيا لباريس ونصر دبلوماسي كبير للمغرب، نظرًا لتاريخ فرنسا الاستعماري في شمال إفريقيا ومسؤوليتها المشتركة مع إسبانيا في تحديد الحدود بعد الاستعمار لكل من المغرب والجزائر وموريتانيا”، و في المقابل سيحتاج إلى مزيد من التوضيح والترجمة إلى سياسات ملموسة في المستقبل القريب.