العشوائية والشخصنة المشوهة لمنظومة الصحافة الرياضية !

حميد طولست

لا غرابة في أهمية ممارسة الرياضات المختلفة في حياة الكثير من الناس من جميع الأعمار و بجميع القدرات ، ولا عجب في تعود البالغين منهم من الرجال و لنساء على الإطلاع على أخبارها ، وتتبع أحداثها المحلية والعالمية بصورة دورية ، ولا استغراب من شغف العديد من بينهم بما نشره من المقالات الإخبارية الشاملة من لمحات وتغطيات رياضية ، و ما تقدمه من مشورات ونصائح تغدوية و تداريب ، والكثير من المعلومات والتعليقات المثقفة والملهمة ، التي تقدمها الصحافة الرياضية الحديثة وإعلامها الذي استفاد من التطور التكنولوجي منتج للمحتوى الرياضي غير تقليدي ، والذي جاء به قطار التجديد الذي عم جل أنواع الصحافة ، سواء في عرض المادة الصحفية الرياضية التي غدت جزءاً أساسياً من الروتين اليومي للكثيرين ، أو في تغطية التظاهرات الرياضية بطرق متجددة ومتنوعة التي تليق بأحد أهم الأقسام الصحفية الشعبية المستحوذ على أعلى نسب المشاهدة والمتابعة و الأكثر تأثيرا في الجمهور والحياة العامة ، والتي لم تعد مجرد أخبار ، بل منبع للمعرفة الملهمة والمشجعة للكثير من الأفراد على الحفاظ على لياقتهم ، بما تنشره من ثقافة صحية وتقديم نصائح تدريبية وتغذوية قيمة، تزيد من وعي جماهيري معزز للقدرات البدنية والعقلية، سواء عبر التغطيات المباشرة ،أو من خلال المقالات التحليلية العميقة التي تتجاوز السرد التقليدي للأحداث الرياضية ، إلى الأساليب الحديثة التي تهدف إلى تقديم تجربة شاملة وممتعة للقارئ والمشاهد..
أمام كل هذا التطور التكنولوجي الهائل، الذي عرفته الصحافة الرياضية في الكثير من بقاع العالم ، والذي مكنها من ازدياد فرص تقديم المحتوى الإبداعي، المعزز للمكانة والمركز الصحافي ، وجعلها قادرة على المنافسة.
وفي ظل هذا الزخم المثير من تطوير المحتوى وإنتاج المادة الصحفية الرياضية ، التي تلقي الضوء على الجوانب الإنسانية والسياسية المرتبطة بالأحداث الرياضية الكبرى المؤثرة في شتى نواحي الحياة العامة، نجد أن الصحافة الرياضية ببلادنا عانت ولازالت تعاني من الرتابة والسطحية وتكرار العناوين الفضفاضة واللغة القديمة ، وقلة الدربة ، وغيرها كثير من أسباب التخلف التي تفرض على الكثير من الصحفيين الرياضيين- عفوا أشباه الصحفيين- الاكتفاء بنقل الأحداث خامة عن بعد ، وعبر بعض مواقع التواصل الهاوية ، أو عن طريق حضور تدريبات الفرق والمباريات بشكل روتيني لا تنتج سوى الأخبار التقليدية المتشابهة ذات المستوى الهابط ، فكرا وأسلوبا ، أسلوب التغطية التقليدي الذي بات من الواضح أنه لم يعد يجذب القراء ولا يواكب اهتماماتهم، ما جعل الصحافة الرياضية في بلادنا تحتاج إلى نقلة نوعية حقيقية، كالتي شهدتها الصحافة الرياضية العالمية الحديثة، التي تجعل القارئ جزءاً من تجربتها الخبرية الثرية التي تضيف أبعاداً جديدة للأحداث الرياضية، من خلال التركيز على والقصة الخبرية ، والرواية الصحفية، والتحليل العميق، والتقارير الرزين المدعومة بالأرقام والمعلومات الحصرية ، التي تمكن المتتبع من فهم استراتيجيات الفرق، والإطلاع على مسيرات اللاعبين، أو التعمق في العوامل الاجتماعية والثقافية التي تؤثر عليهم وفي مجمل المنظومة الصحفية عامة .
والصحافة الرياضية المتعلقة بكرة القدم على وجه الخصوص والتي تعيش في بلادنا حالة شاذة عن النهضة الشاملة التي تعرفها الصحافة في كل مجالات الإعلام ، بعد أن حولها ،للأسف ،المشتغلون بها وفيها لدينا – من أشباه الصحفيين ذوي الذهنيات المتحجرة ومليئة بالتناقضات والخرافات و الأساطير الخيالية- إلى نشاط عبثي ينشر التعصب الرياضي بين الناشئة ويثير الخلافات ، باختزال المباريات والحوارات إلى سجالات عقيمة، غير قادرة على التحرر من فكر المؤامرة، التي تستغلها عادةً كأداة للإساءة التي تتغذى على التعصب والتشكيك وتوجيه الاتهامات المجانية كيفما ،بدل التركيز على دورها الحقيقي كجزء من القوة الناعمة التي من المفترض أن تدفع نحو الوعي الرياضي والتثقيف ورفع مستوى الحوار والنقد البناء، والبحث عن الحقيقة عوضا من البحث عن الانتصار ، وإدخال الحوار الرياضي في قالب مهني أكثر مسؤولية ومهنية مستندة إلى الحقائق والتحليل الموضوعي، مع فهم أعمق لأهمية كرة القدم كأداة تساهم في تعزيز الوحدة وروح الفريق، وليس في التفريق وبث الفتن.
في الختام هناك ملاحظة مهمة لا بد من ذكرها وهي : إن هذا النقد -الذي لا أريد منه الإساءة لأحد ، بقدر رغبتي في إثارة انتباه المسؤولين عن الإعلام في بلادي لما يعم هذا الميدان الحيوي من فوضى عارمة يحتاج إلى تصحيح أو تطوير – الشيء الذي لا ينسحب على الإعلاميين الرياضيين الحقيقيين والمتميزين ، ولا يشملهم ، لا من قريب ولا من بعيد ، وإنما هو موجه لذوي الذهنيات المتحجرة التي يسبح أصحابها في مستنقع الشخصنة المشوهة لمنظومة رياضية شاملة جميلة ، ووطن حقق إنجازات باهرة فريدة في كرة القدم خلال مدة قياسية ، اللهم قد بلغت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *