حميد طولست
من أسباب ردود الفعل الشائعة لدى الإنسان ، والتي تظهر عليه بسبب التوتر والخوف والهلع الذي يعتريه في أوقات الأزمات والكوارث -سواء كانت كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات ، أو غير طبيعية كالأزمات الاقتصادية والسياسية- هي رغبته في تجنب المواجهة الحقيقية للأسباب الحقيقية المعقدة لتلك الأزمات والكوارث ، وميله لتفسير مسبباتها تفسيرات بسيطة سهلة وسريعة ، وبحثه عن أطراف خارجية كـ”أكباش الفداء” يوجه لهم اللوم ويحميلهم وزر نتائجها ، كوسيلة شائعة للتخفيف من مشاعر القلق والتوتر، التي تعتريه المعروفة في علم النفس بعملية “الإسقاط” أو “الفاع النفسي ” الذي ينسب فيه الأفراد إلى غيرهم ، الخصائص التي يجدونها غير مقبولة في أنفسهم ، كالإسقاط الذي وقع فيه بعض الإسبان عقب كارثة الفيضانات التي ضربت جنوب البلاد ولاسيما منطقة “فالنسيا” والذي كالوا فيه الاتهامات المجانية لبرنامج الاستمطار المغربي ، مستغلين في ذلك ما نشر في الصيف الماضي ، عبر منصات التواصل من أخبار حول “مخاطر تلقيح السحب” الذي يعتمده المغرب، ليجعلوا منه المسؤول الأول عن الأمطار القوية التي تسببت في الفيضانات المباغتة التي اجتاحت فالنسيا وليتور، بالجنوب الشرقي لإسبانيا وأغرقت مبانيها وجرفت سياراتها وتسببت في وفاة أكثر من 200 وعشرات المفقودين.
ورغم نفي العلماء إمكانية تسبب برنامج الاستمطار المغربي في مثل هذه المزاعم التي أوضحت منصات تقصي الحقائق أنها غير مدعومة بأدلة علمية ، وأن جميع برامج الاستمطار في العالم لا تمتلك التأثيرات الواسعة التي يمكن أن تتسبب في الفيضانات على بعد مئات الكيلومترات ،و أن أغلبها لا يهدف إلا لزيادة الهطول في مناطق محددة ، وأن مثل الظروف الجوية العنيفة التي أصابت الجنوب الشرقي لإسبانيا ، لا يمكن أن تحدث إلا نتيجة لظواهر مناخية طبيعية قصوى مثل موجات الحر والعواصف ، وحالات الطقس القاسية التي تزايدت عالميًا وصارت أكثر تواترا وأطول أمدا وأكثر شدة بسبب تغير المناخ ، التغير الذي يؤكد جيس نيومان، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة، في رسالة عقب فيها على ما جرى: “هذه الفيضانات المفاجئة في إسبانيا هي تذكير رهيب آخر بتغير المناخ وطبيعته الفوضوية” ،ورغم ما قيل عن ارتباط ظواهر الطقس المتطرفة بما فيها الفيضانات، بتغيرات مناخية طبيعية وتقلبات موسمية تتأثر بالتغير المناخي العالمي، والذي أدى إلى زيادة في وتيرة وحدّة الكوارث الطبيعية في العديد من المناطق حول العالم ؛
فإن أصحاب نظريات المؤامرة الذين لا تستند مزاعمهم إلى أي دليل مثبت علميًا ، لم يكتفوا باتهام برنامجه “الاستمطار” المغربي بالتسبب في فيضانات فالنسيا – التهمة التي قد تكون مرتبطة بسياق سياسي أوسع، في ظل التحفظات والنقاشات المستمرة حول التعاون بين دول شمال إفريقيا وأوروبا – بل اتهموا برنامج (HAARP الأمريكي هو الآخر بتغيير الطقس والتسبب في الكوارث الطبيعية ، رغم كونه مجرد مشروع بحثي هادف إلى دراسة الأيونوسفير في الغلاف الجوي لتحسين الاتصالات والرصد الجوي .
المزاعم التي كذبتها منصة نوتغال الإسبانية مخطأة كون مشروع HAARP ولا لتقنيات “الجيوهندسة” خلقا بشكل متعمد بشرياً “المنخفض الجوي دانا”، بدليل أن إشبيلية ، كانت مدينة تغمرها المياه في كثير من الأحيان ، ومند مئات السنين حتى أن كانو يتنقلون على متن قوارب في شوارعها ، دخلت المياه إلى المدينة وكان من السهل رؤية الناس في الشوارع ، لم تتوقف تلك الفيضانات، بسبب تحسن توقعات AEMET أو أنظمة الإنذار المتنقلة، ولكن لم يعد هناك المزيد من الفيضانات لأنه تم القيام بالكثير من العمل لتوجيه المياه من الجداول التي كانت تعبر المدينة ولمنع الوادي الكبير من الفيضان إذا هطل المطر بغزار، الأمر ذاته الذي نبه إليه وحذر منه جيس نيومان، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة من أن هذه الكوارث يمكن أن “تؤثر على أي شخص في أي مكان… لذا يجدر بنا أن نفكر جديا في تحسين تصميم مدننا وبلداتنا”.