القضية الفلسطينية: شكلانية الشرق و بنيوية الغرب  

الجديد بريس 

إنجاز: د الغزيوي بوعلي

إذا كان الفكر البنيوي هو اتجاه ضد كل نزعة تاريخية, اجتماعية و نفسية, معتبرا أن الثقافات الأخرى هامشية, و مهددة بالانقراض رغم أنها تشكل في حقيقة الأمر أشكالا أصلية من الناحية الاجتماعية و القادرة على الفكر, و التحول ة التطور. فهذا التصور البنيوي الذي نراه اليوم لم يعد صالحا لنا, لأنه اخترق من طرف الإمبريالية. حيث جعلته تابعا لها, دون أي سلطة تذكر. من هنا نطرح الأسئلة التالية: هل نحن أمام قطب واحد؟ هل روسيا قادرة على تغيير الخريطة الدولية؟ وهل الصين و الهند قادرتان على مبارزة أمريكا علميا؟ و هل ما قاله فوكو ياما بنهاية التاريخ الشرقي صحيح؟ وهل نعيش الصراع الحضاري ام الصراع العلمي؟ و أين موقع العالم العربي من هذا النظام العالمي الجديد الذي تسعى إليه امريكا؟ و ما موقع القضية الفلسطينية اليوم؟

اسئلة كثيرة و متنوعة جعلتني أعيد ترتيب الأفكار و المفاهيم لأننا نعيش عالما يكتنفه الغموض و الإبهام, وراح كل فرد متسلط يصوغ العالم كما يحلو له باسم الأغلبية أو باسم الديمقراطية[1] او الشيوعية, او الليبيرالية. فلا شك أننا بصدد إيجاد أوجه تشابه كثيرة الاقوال , و القول لأمريكا             لأن كل واحد يريد ان يعيد ” عود الأبدي” الجديد كما يقول نتشه, لأن طرق استعمال هذه القوة من أجل ما هو مقبول شرقا و مرفوض غربا, وهذا التناقض هو تناقض بنيوي, حيث يقربنا الى الفكر الشيوعي السوفياتي و إلى الفكر الليبرالي الأمريكي. و عبر هذين الفكرين نستنتج أن الفكر لا يتأسس إلا من خلال الصراع, او التكرار او التجول, و هذا ما نراه أن حلف الناتو يريد أن يوسع مداركه في الشرق نظرا لسقوط كثير من الأصنام و مجموعة من الأنظمة. لأن المثير هو أنه بالرغم من استقدام القوة و السيطرة فإن الغرب بدوره يلجئ الى الحيل و إلى الخطابات العادلة و المبرهنة على ان القضية الفلسطينية قادرة على بناء ذاتها و بذاتها دون الاستعانة بالغرب الضعيف. فهذه الإشارة هي مسؤولية أخلاقية و سياسية جعلت العديد من رؤساء دول أوروبية تعيد النظر في خططها العسكرية كألمانية و هولندا, و إيطاليا. أما فرنسا فهي تلعب بمنظارين, منظار متجه لأمريكا و آخر لروسيا. دون الحديث عن القضية الفلسطينية, و هذا ما يؤكده صاحب كتاب ” الأمير” ماكيافيلي. وولسر Walzer  و راولس Rawls ” إن الحرب هي حرب من أجل الدفاع عن النفس بعد التعرض لهجوم           آخر في مواجهة تهديد او هجوم مرتقب, او حرب لمساعدة ضحية هجوم ما[2].” فهذه الرؤية جعلتنا نعيد القراءة من أجل معرفة مسار التحول الذي سيوجه العالم بعد الحرب الاكرانية, و اعتناق ديانة قانونية دولية جديدة, لأن هذا التحول كما ذكرت هو تحول تكتيكي و ليس تكتونية. حيث باتت أمريكا تعانق كل ما يخالف الصين أو روسيا أو كوبا أو حوريا, و كل مخالف لسياسة الانخراط في الفردانية و الحرية و الديمقراطية حسب قانونها: هو إرهابي, او متمرد , او خارجي.

بدايات العالم اليوم يتساءل عن البدائل الإنسانية و الدولية, و عن البدائل الفكرية الجديدة. كل هذا من أجل ما قالته كوثر أليسا رايس بالعالم الجديد. و هذا المشروع هو سؤال فلسفي يكتسب أبعادا أخرى في سؤال الإنسانية. سؤال يقربنا الى نقد الأسس المعرفية للحداثة, و ما بعد الحداثة و التنوير التكنولوجي و سيرورة البراغماتية و الهيمنة , و النموذج الأوحد, و غيرها من المفاهيم التي ظهرت على السطح. و يطرح راولز Rawls السؤال التالي: بأي حق يمكن للشعوب اللبرالية أن تتدخل عندما تخرق دول مارقة حقوق الإنسان؟ أسئلة كثيرة تهتم بهذه السلسلة من الأجوبة كنطاق المواقف التي يمكن أن يفكر بها الإنسان حين يواجه الإعلام المرئي و المسموع, لذا فالمفاهيم الموظفة كخطاب يتساوق امتداده مع النسق الرمزي للشخصية المعولمة, حيث يبين أن الخطاب الإعلامي ليس إلا شكلا من أشكال اللعب الجدلي تقيد المتلقي بما تقدمه له من أخبار اختزالية دون احالته الى اليومي السلبي. لذا, نحن نعيش عصر العولمة من خلال تصوراتها الجديدة التي تنقل لنا طرق      الوجود الجديد للعالم, و العيش فيه بدون قيم و لا معرفة, لأنهم ينقلون الخطاب الدرويني المعاصر الذي يعمي الرؤية النقدية. و بهذا المعنى             (أمريكا + روسيا) يبنيان لنا الخطاب في النسق الا دلالي لكي يكون مقدسا بوصفه قوة و سطوة و فاعلية[3]. لذا فالصراع اليوم يحيل على المضامين المكبوتة و الانساق الخطابية لما قبل الحرب الباردة و ما بعدها. لأنها مفاهيم بعيدة عن مقاصد العقل و الواقع. من هنا أصبح مفهوم التكتلات الأيديولوجية اقرب الى تأريخ الأفكار و تطور الانسان الآلي منه الى الانسان العادي, فمشكلة الحروب هي مشكلة إنسانية لأنها تريد ان تهرب من الفناء الذي يلاحقها. لأن ممارسة العنف لا يمكن فصله عن الاطلاع  على التاريخ لمعرفة المذاهب التاريخية. و إن كان البعض يرى أن هذا العنف ولد مع صدام الحضارات التي لا تسمح بفهم هذه الظواهر, لأن ظاهرة الانتعاش الديني ليست تعبيرا عن هويات ثقافية تقليدية و إنما هي نتيجة للعولمة و لأزمة الثقافات[4]. و اذا كانت صحة المفاهيم المعلومة مرهونة بمضامين تاريخية, فإن العلاقة بين الشرق و الغرب تكون دوماً علاقة صراع, لأن الشرق شرق و الغرب غرب كما يقول أحد الدارسين. لأن الحضارة ليست تلك التقسيمات التي صنعتها أيادي المستعمر, بل هي نظام تعاقبي و تحويل للعالم الذي ينطوي على تعاليه الإبداعي الإنساني. لأن هذه الحروب كليانية. و أمريكا تستعمل سياسة الظهور و التجلي سواء في الحرب العالمية الأولى و الثانية. وفي وقتنا الحالي, فهي التي تعرف كيف يسير هذا العالم نظرا للمعرفة العلمية و الاستراتيجية الطويلة. و لهذا نرى ان لا وجود لما هو ثابت في الكون, بل إن كل شيء خاضع للملاحظة و التجربة سواء في حركيته او في سكونه الظاهري [5]. إذن فهذه العمليات التي يشتمل عليها النظام العالمي هو عبارة عن إعادة بناء الخطاب اجتماعيا و ثقافيا و أيديولوجيا. ان هناك من يريد ان يعيد امجاد الإمبراطورية كتركيا و روسيا. و هناك من يريد ان يؤسس لنفسه مركزا كأنه المعلم الأول, و منه تفيض العقول الأخرى كما يرى الفارابي في “نظرية الفيض”. و يرى هيوج اتكس في هذا الصدد, إن جميع المعتقدات و الأفكار التي تكونه من أجل غرض اجتماعي سواء كان هذا الغرض هو المعتقدات الدينية او المذاهب السياسية و الاقتصادية هي ايديولوجيات[6], فالتصور المركزي يجعل القوى الأخرى مرتبطة بالعقل الفعال دون جدل او حوار, فهم جزء من هذا الفيض. و هذه النزعة الفردانية تجعل العالم المهمش, و المقصدي عبارة عن تجمعات استهلاكية, كما فعلت روسيا في السودان حيث تشتغل الذهب و تصدره الى بلادها, و أمريكا في الخليج العربي. لكن هذا التصور المصطنع جعل القضية الفلسطينية تتنامى في المحافل الدولية. لكن الثقافة و الفكر يساهمان في تثبيت وجودهما و حتى في انتشارها[7]. فالقضية الفلسطينية لا بد ان تأخذ بعدها العميق في المحافل الدولية لا أن تبقى كالسرير التجريبي كلما حركت حماس او الجهاد الإسلامي هذا السرير نلجأ الى الطبيب المختص “الأمم المتحدة” للبحث عن دواء مؤقت و غير نهائي, فيظل هذا المرض منذ الحرب العالمية الأولى الى المرحلة الثانية, و إلى سنة 1948 الذي فقد فيه الانسان العربي هويته, و كينونته و وجوده. فظل خارج التاريخ يلوك أطياف الذكريات و يستشرف نحو آفاق جديدة مع الثورة الناصرية التي عملت على تكسير هذا الحكم الصهيوني, عارضا رؤية جديدة التي تنم عن قوة لمواجهة هذا المعتدي الاثم, حتى يتمكن على حظوظ أوفر لتحقيق اماني فلسطين كمجموعة طويلة ليبقى التاريخ في حاجة اليها للسير صوب الامام[8]. فجمال عبد الناصر عمل على توطيد دعائم الدولة المصرية و تنتج التنوع و تفترض وجوها أينما ظهرت. و هذا التنوع الاجتماعي والعسكري جعل الجيوش العربية تتهرب أمام هذا المحتل سنة 1967. و هذه الهزيمة غيرت خريطة الوطن العربي إبداعا, و فكرا, و سياسة. فاخذ المبدع العربي يمتاح رموزه و فكره من الغرب و الشرق, لكن يناقض كل الأطروحات السائدة في البلدان العربية, فاخذ الماركسية (روزا لوكسيورك, ماركس, انجلز, لينين, هوشي من, ماو تسيطونك, و غرامشي , و غيفارا, و سارتر, و بورديو, و ريمون ارون, و كامو, تولد ويلسون…). بهذا بدأ المثقف العربي يتحرر من العالم المؤسلب رغم انه مقيد بمعنى آخر, و في هذه الحالة يتساوق الامتداد مع النسق الرمزي للقضية. فظهر درويش و سامح القاسم, و نزار قباني, و ادونيس, و أمل دنقل, و حسان كنفاني, و مهدي عامل, و زريق. الذين تهافتوا حول اشكالية فلسطين لأنها هي النموذج الذي ينطوي على معلومات جديدة و مكانة ادراكية حيث المغزى الثقافي و الإبداعي وحدها القادرة على إبراز الصراع الابدي, من اجل تأسيس إشكالية فلسطين كجذر عميق في تاريخ المحافل الدولية. و هذا ما فعله المرحوم ادوارد سعيد في كتبه. إذن فالثقف الفلسطيني قادر على زحزحة كل الكيانات المستخلفة من تحت أرجل المستعمر, و هذا ما نراه اليوم, ان فلسطين غزه و حيفا و جنين, و حلحول, و حيفا وغيرها من المدن الفلسطينية. حيث لا تريد الاستسلام و لا الخنوع, بل تتمدد بتمدد الأيام, و لا تركع. تحمل أحجار بروميثيوس, و معاول نتشه, و صليب السيات ترنو نحو افق بعيد لا تكترث لصناع الذبائح و لا بأقوال فقهاء القانون الدولي. تريد ان تعيش مع اليومي دون انتظار أساطير الخليج و لا فتاة الغرب, رمت كل الاسمال الماضية ( ص 48- 67- 73- 79) و ارتدت عبارة غيفارا, و عانقت كل الأديان لتبارك في أهلها و أهل الذين ماتوا في الخليل, و جنين, و تل الزعتر. فهذا لا ينسيها مذبح كفر قاسم, و لا صبرا أو شاتيلا, و غيرها من المذابح. و السؤال المطروح: من فعل بنا هذا يا سيد العالم؟ و أين محكمة لاهاي؟ و اين لجنة تقصي الحقائق؟ و اين لجنة حقوق الإنسان؟ و اين و اين…؟ هكذا تكثر الضغوطات الأيديولوجية و المؤسساتية التي تريد ان تمحور الكائن و الممكن, لتشكل رؤية جديدة لهذا المحتمل البريء, و مأسسة الخطب الاجتماعية و الأيديولوجية في وضعية شديدة الخصوبة[9]. لهذا يمكن القول ان بريطانيا العظمى و أمريكا و الدول الغربية تحاول .

فالقضية الفلسطينية هي قضية الإنسان, و الأرض, و الدين, والهوية, و الوجود, و القيم, و المعرفة, و الزمن, و المكان, و فضية دستور دولي اكثر ديمقراطية, و ليست قضية الوفاق العالمي حول قرارها. إنها قضية شعب لا زال يناضل من اجل استرجاع الذاكرة, و الحقوق. و التمسك بقيم المواطنة كما يقول محمود درويش. لأن الاستقلالية الواقعية و الدعم الدستوري الدولي للخدمات المدنية النزيهة و الحيادية و العقلانية هي مطلب شعبي و دولي. و بهذا المعنى فقد طال النقد الذي وجه الى الدولة الراعية لهذه الوظائف الأيديولوجية و لكبار ممثلي هذه القرارات من إعادة الاعتبار لهذا الشعب الذي يرزح تحت نيير النيران, و الحصار, و الموت دون حسيب و لا رقيب. حيث ان المحتل يفيض بالنقص و يبين فقدان مصداقيته حيث ما كان العالم المتمدن سوى أسماء عمياء على طاولة من حديد صدئة[10], و هذا يعني ان القضية المطروحة ليست مجموعة من الآراء و الافتراضات و التقنيات الوهمية, بل هي الدلالة المادية التي تتعلق بالعقيدة الدينية, و الاجتماعية و التاريخية. لهذا عمل محمود درويش في اشعاره مجموعة من الأسئلة الانطولوجية كمبحث جوهري لكل الشعراء و المثقفين. لذا, نجد أدونيس, و خليل حاوي, و محمد بلمو, و غسان كنافي , و محمد بنيس, و عبد الكريم برشيد و غيرهم من المثقفين الذين عملوا على تأسيس رؤية جديدة توحد بين الفكر و الواقع و ترفض كل تجربه تتأسس على مبادئ المنطق, و العقل و الاستيطان. لهذا عمل المثقف العربي على تبيئة المصادر الاجتماعية كبعد نفسي مختلف عن الزمن الطبيعي المادي. لأن البعد النفسي مستثمر في الماضي و الحاضر. ليعبر عن داخلية المرء التي لها مضمونها القومي[11]. من هذا المنطلق و أمام خيبة الامل من حاضرنا, كان المثقف يعود الى الذاكرة لينقل أحاسيس النفس و اختلاجاتها بشكل ليس فيه صعوبة تيار الوعي. لأن فيه الاستقامة و الترابط المنطقي بقدر ما في الحوار الداخلي[12] و جماع القول أن القضية الفلسطينية قد غيرت وجه الخريطة الإبداعية العربية, فهي أقرب الى الأسطورة او الحكاية, فيفضل احتكاك الشرق بالغرب و تفاعل الثقافات. نشأت المواقف كرؤية جديدة و كواقعية إبداعية, لان المبادئ التي تبنتها الفئة المثقفة قد أسهمت في تطويرها و جعلها تتلاءم و البيئة العربية و العالمية[13].

فلا شك أن القارئ العربي بحاجة ماسة الى الاطلاع على التراث الفلسطيني العظيم المتمثل بالتراث و بالأدب, و الفلسفة, و بالتاريخ و غير ذلك من ميادين الثقافة, و الفكر و المعرفة. و يبقى الابداع هو الحقل الخصب الذي يتحرك فيه الأنا الفلسطيني و عبره يؤسس الانسان اتصاله بغيره من العوالم الحكومية و المنظمات غير الحكومية التي تعكس تلك المراكز النورية كما تعكس الروابط الاجتماعية[14]. فالمثقف يدعو دوما إلى تكسير هذا الغموض من أجل تشكيل معرفة لما يجري في الواقع كسيطرة الولايات المتحدة على الأصعدة السياسية و الاقتصادية و العسكرية, و الذي يقدم باعتباره كوسبوليتانية جديدة. و يرى صامويل هانيتون لا هوية و لا ثقافة سياسية و لا تاريخ للولايات المتحدة بهذا المعنى مثل هذه الحريات و الديمقراطيات, و خارج نطاق العمل الأمريكي كل هذا من اجل تحقيق هذه المثل التي تنادي بها في كل المحافل الدولية والقارية[15]. و انطلاقا من هذا الطرح الصمويلي, نستخلص أن القضية الفلسطينية مازالت مثار النقاش بين الدول الخمس الذين يسوقون العالم كله دون أي طعن يذكر. لذا ينبغي النظر في التركيبة الأممية من اجل تصحيح المسار النضالي للشعوب العالمية, و كذا فتح الأبواب للدول الفقيرة و السائرة في طريق النمو. لأن هذه المجتمعات لا ترفض التصويت بالأغلبية و تفضل الإبقاء على الانسجام الاجتماعي و التفاهم داخل المحفل الأممي ’ على ان تنفتح على الجديد و المنتظر. و من ثم, فكل مسألة دولية يكون فيها اخذ و رد دون تأجيل (الحسم فيها باستمرار إلا القضية الفلسطينية التي يصبح من الممكن الوصول الى قرار أممي عالمي يرضي الآخر المحتل و الفلسطينيين. و كذا عودة أصحاب 1948 الى وطنهم دون معارك مفتعلة قبل الشروع في المداولات غير الرسمية, و عندما تبدأ المجموعة الأممية في التصويت تكون في حالة تجدد و انتعاش دولي, و تكون قد حققت بذلك الشروط اللازمة للحصول على ما يهزم عليها التوصل إليه من اجماع دولي دون عرقلة من طرف الخمس الدائمي العضوية.

و يقول ليفي شتراوس في هذا الصدد ” صحيح انه لا يوجد مجتمع لا يقر بضرورة التمييز بين هذين العالمين و لا يقبل مهما كان مستواه متواضعا إعطاء ما تنتجه الحضارات من فنون, و التي تمكن من التمييز بين الشرطين الإنساني و الحيواني”[16].

خاتمة

و مهما يكن, فالكتابات الإبداعية العربية تناولت هذه القضية من كل الجوانب, المتعلقة بالإنسان و الوطن و التاريخ و الذاكرة و الحرية و الوجود. و فتحت افقا جديدا اما القارئ لتوجد في الممكن برؤية نقدية و بوعي جديد يربط بين الفكر المتعالي و الوجود الاجتماعي المادي لمعرفة من نحن؟ و كيف تبدع خارج الآخر؟ و هل الاخر هو الجحيم؟ ام ان الآخر هو الأقرب الينا كهوية و كذات و كتاريخ؟ فهذه الأسئلة قد نجدها في كتاب الأستاذ محمد بلمو الذي يحمل عنوان “خمسة أيام في فلسطين المحتلة”. و انطلاقا من العنوان, ندرك أنه يشير الى الخارج و ذلك اعتمادا على سياق فعل الخاطب[17]. فالعنوان يوصلنا الى المعنى بوضعه مغزى و عتبة تكتسب إحالة جدية بين اللغة و البعد الانطولوجي. فالكتاب إذن من حيث هو أساس لتحديد الهوية قبل وجود الإحالة[18]. فحمد بلمو في تخارجه التصدي جعل الكتابة كمفهوم اشكالي كي تكون وصفا غرائبيا و اغترابا و الإصرار كما يقول جاك ديريدا في كتابه “الصوت و الظاهرة” ص 36. فالكتابة هي الحكمة و الادانة الخارجية بوصفها نقيضا للمركز و للأصل المزيف. فهي تبحث عن الوجود في الوجود باعتبارها قوة تلاشت في الماضي لتنبعث مع الأرض و لتحفظ ذاكرة الأشياء, و هي أيضاً محض استدعاء الذاكرة يولد فيها الانسان حياة, و لا يبقى صامتا مثل سقراط. بل هي استنطاق و إشارة تبقى دائما هي فلسطين. ( ولنا عودة).

المراجع:

  • [1] ياسين شعبان ” الديمقراطية”  كنوز للنشر و التوزيع ص 23- 24.

  • [1] الطيب بلغازي, مقال -الحرب العادلة- منشور بمجلة كلية الآداب – الرباط تحت عنوان “فلسفة الحق- كانط و الفلسفة المعاصرة ص 224-225.

  • [1] رودلف اوتو “فكرة المقدس” ترجمة جون هارفي 1958- انظر بول ريكو ص 104.

  • [1] اوليفييه روا ,” الجهل المقدس” ,ط 1- 2012.

  • [1] قيس الشامي, “قراءات في المادية الجدلية”, ص 187-188.

  • [1] هيوج اتكس, “دراسة التاريخية و علاقته بالعلوم الاجتماعية” ترجمة محمد زيد ص 49-50.

  • [1] كلود ليفي شتراوس, “الأنثروبولوجيا” ترجمة رشيد بازي ص 117.

  • [1] كلود ليفي شتراوس ص 117.

  • [1] بييرزيما ” النص و المجتمع” ترجمة أنطوان أبو زيد ص 41.

  • [1] Hess, Le loup des steppes- Paris , Cal-levy-livre de poche , 1972, p 61.

  • [1] George Poulet, « Etude sur le temps Humain»- Roches- 1952, p 359.

  • [1] عياد شكري, المونولوج الداخلي, عالم الفكر, ع 3 , 1972 ص38.

  • [1] علياء شكري و محمد علي محمد- قراءات معاصرة في علم الاجتماع- النظرية والمنهج, القاهرة – دار النشر 1972 ص 46.

  • [1] Walzer, Governing the globe, Dissent- 47. ( Fall 2000, p 44.

  • [1] فلسفة الحق- كانط و الفلسفة المعاصرة, مقال للطيب بلغازي, مذكور في صفحة 227- منشورات جامعة اكدال- محمد الخامس- الرباط.

  • [1] كلود ليفي شتراوس, الأنثروبولوجيا” ترجمة رشيد بازي ص 83.

  • [1] بول ريكو, “نظرية التأويل” ترجمة سعيد الغانمي ص 50.

  • [1] فريجة, “في المغزى و الإحالة” ترجمة ماكس بلاك,1970, ص 56

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *