بدر شاشا
في زمن تتعالى فيه الوعود وتتكرر فيه الخطابات حول الإصلاح والتغيير، يبقى الواقع صامدًا أمامنا كمرآة لا تجامل أحدًا: لا تشغيل مستدام، ولا تعليم ناجح، ولا صحة عمومية في المستوى، دون مراقبة حقيقية صارمة ومستمرة. فالمراقبة ليست مجرد إجراء إداري أو شكلي، بل هي روح الإصلاح، وجوهر النجاح، وضمانة الاستمرارية.
إن الحديث عن النهوض بقطاعات التشغيل والتعليم والصحة لا يمكن أن يتم بمعزل عن مبدأ المحاسبة والشفافية. فما نلاحظه اليوم هو غياب التتبع الميداني للمشاريع والبرامج، وغياب المحاسبة الفعلية لكل من يقصر أو يتهاون في أداء واجبه. والنتيجة: خطط جميلة على الورق، ولكنها تتبخر في الميدان حين يغيب التطبيق والمراقبة.
في قطاع التعليم، على سبيل المثال، تُخصص ميزانيات ضخمة وتُعلن إصلاحات متكررة، ولكن دون تقييم دقيق لما تحقق فعليًا. أين الخلل؟ في غياب الرقابة الميدانية على المؤسسات، في ضعف المحاسبة للمسؤولين عن الهدر والارتجال، وفي غياب ربط المسؤولية بالمردودية. فكيف ننتظر تعليمًا ناجحًا إن لم يُراقب أداء المدارس والمديريات والأكاديميات أسبوعيًا؟ كيف نحقق الجودة إذا غابت المراقبة التربوية الصارمة التي تُعيد الانضباط والمصداقية للفعل التعليمي؟
أما في قطاع الصحة، فالأمر أكثر إلحاحًا. المستشفيات العمومية تعاني من سوء التدبير وضعف الخدمات، وأحيانًا من غياب الضمير المهني. المواطن البسيط هو أول الضحايا، يقف في طوابير الانتظار الطويلة أو يُحال إلى مصحات خاصة لأنه لم يجد عناية كافية في المستشفى العمومي. كل هذا لأن المراقبة غائبة أو شكلية. فلو كانت هناك زيارات تفتيش أسبوعية حقيقية، وتقارير علنية تُحاسَب على أساسها الإدارات والمصالح، لارتفعت جودة الخدمات، ولشعر العاملون في القطاع أن القانون فوق الجميع.
وفي مجال التشغيل، لا يكفي أن نعلن برامج جديدة كل سنة، بل يجب أن نُقيم القديمة أولاً. هل نجحت؟ ما هي نقاط ضعفها؟ من المسؤول عن فشلها؟ فبدون مراقبة دائمة لمخططات التشغيل والتكوين المهني، وبدون محاسبة صريحة للمتهاونين أو المتلاعبين بالفرص، سيبقى التشغيل رهين العشوائية والمحاباة، لا الكفاءة والاستحقاق.
إن الرقابة الصارمة ليست قمعًا، بل إصلاحًا. هي أداة لضبط الأداء، وتصحيح الانحرافات، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة. فحين يعلم المواطن أن كل درهم يُصرف في التعليم أو الصحة أو التشغيل يخضع لتتبع ومحاسبة، سيؤمن بأن المال العام في أيدٍ أمينة، وسينخرط هو أيضًا في ثقافة الرقابة المجتمعية.
ومن هنا، لا بد من تحديد الأسباب الجذرية للمشاكل بدل الاكتفاء بمعالجة الأعراض. يجب تشخيص دقيق لكل قطاع: ما الذي يُعطل الإصلاح؟ هل هو ضعف الكفاءات، غياب الإرادة، أو غياب الرقابة؟ بعدها يجب تفعيل برامج متطورة وناجحة تستند إلى الكفاءة، والشفافية، والمحاسبة. برامج تُقيم بالأرقام والنتائج لا بالتصريحات والشعارات.
لقد تعب المواطن من سماع الكلام عن الإصلاح. آن الأوان لتفعيل المراقبة الصارمة في كل إدارة ومؤسسة، وجعلها نظامًا دائمًا لا موسميًا. فالتنمية لا تتحقق بالنيات، بل بالمتابعة والمحاسبة اليومية.
إن الحل الوحيد لنجاح التعليم والصحة والتشغيل في المغرب هو بناء منظومة رقابية قوية، تُراقب وتُحاسب وتُقوِّم. عندها فقط يمكن أن نقول إننا نسير في طريق الإصلاح الحقيقي، لا في طريق الشعارات.
فالوطن لا يحتاج إلى من يتحدث باسمه، بل إلى من يراقب ويُصلح لخدمته.