عصر أدعى للاستغراب

حميد طولست

في زمن التحولات الرقمية والهيمنة المطلقة لوسائل التواصل الاجتماعي، بات العالم يواجه واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية إثارة للجدل ظهور “المؤثرين” وصنّاع المحتوى الذين يفتقرون إلى العلم والخبرة، والذين يتمتعون بشعبية تفوق العلماء والمفكرين ، هذه الظاهرة، التي جعلت من هذا العصر أسوء ما مرَّ على الأرض منذ بدايتها، وألعن حقبة زمنية في تاريخ بعض البشر ! لتركيز ، صناع المحتوى على السعي وراء الشهرة والانتشار”الترند” كمعيار للنجاح بدون علم أو خبرة متينة أو تجربة واقعية ، وبلا أهلية ولا تقدير للعلم أو للخبرة ، أو أي تخصص مستندة إلى أسس عميقة أو فهم علمي حقيقي ، واكتفاء ملاحقي “الترند” -الظاهرة الخطيرة التي باتت منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي – بالتنافس في وسائل التواصل على “اللايكات” والاقتتال على الـ”شير” باستعمال ما لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال عمالاً فنيا أو حتى دردشة ذات قيمة، بل عبارة مواضيع سطحية غير رزينة أو رصينة واستعراضات مخلة وغير هادفة ، ومروجة للجهل ، ومخاطره المؤثرة على العامّة منَ الناس الذي يُصدِّقون كلَّ شيءٍ دون تفكير أو نقد أو بحثٍ أو يكلفوا أنفسهم عناء التحقق أو التمحيص في هوية من يسمون أنفسهم بالمؤثرين وصنّاع المحتوى، ولو فعلوا لوجدوا أغلبهم شخصيات هزيلة من المكيافيلِّيَّين الذين يوظفون المكر والازدواجيَّة لاصطياد ضحاياهم وتوريطهم في عمليات نصب واحتيال عبر إعلانات ومنشورات وتغريدات وفيديوهات تافهة تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي “اليوتيوب”و”الإنستغرام” و”السناب شات”و”تويتر” و”التيك توك”، حيث يبيعون الوهم وألاعيبه للبُلهاء والمجانين وبسطاء الفهم ،وكل من تُحركه ريح المشاعر ، وتدفعه لجائج البطون ورعونة الحاجة ونهم الغرائز ،ما يجعل الناس يميلون إلى المحتوى السهل والخفيف، بغض النظر عن جودته أو دقته ، و يشيع الثقافة الاستهلاكية والسطحية ، المروجة للخرافة والناشرة للفتنة المحرضة على الكراهية.
الأمر الذي من الحمق المريع ، وأسباب الفناء السريع ، أنْ يستهان بخطورة هذا النوع من المتسول الجديد على الناس، وخاصة، حين يجتمع هؤلاء المتسولين على سلطة جهل واحد ، يرون فيه فهماً مقدساً ، وحالا مؤسساً لا مراء فيه ، والذي يبقى السبيل الأفضل للحد من دور هؤلاء … في نشر الجهل والخرافة بين الناس ، إلى جانب الضرب على أيديهم ، هو التعليم والتوعية والتركيز على التفكير النقدي ،الركائز الأساسية المعالجة لجميع مشاكل المجتمعات التي تُبنى عليها ، والتي يصبح من الصعب أن يجد الجهل والخرافة مكاناً لها فيها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *