سعيد معواج التازي
تقديم عام : “منظور بسيط في فهم الحزبي والسياسي”
نحتاج السياسة في ابسط تفاصيل حياتنا ، ليس لانها فن الممكن حصريا، بل لانها ومن مصدر اشتقاقها مسمى واصطلاحاً في تفسير الدستورانيين واللغويين أحد روافد التدبير “ساس يسوس” وليس في عرف الفعل المغتصب قصرا على ايامنا ، حيث وفعلا يسوس بغض السياسيين من اوصلوهم الى مكان القرار بالمعنى الدارجي، اما اختباء او كذبا وافتراء ،اللهم في بعض الحالات الناذرة التي تقدم صورا عن تصور التعالق الاجتماعي والانساني النبيل، اما لارتباط بالفخدة القبلية او في خضم انفلات قيمي حاصل لبعض اولاد الناس، اما والان الكرة في ملعب فناني الممكن، أتوجه بسؤال سيجيبني عنه الآلاف بهبة عاصفة، نقيم مؤتمراتنا ومنتظمون في لقاءاتنا التواصلية ، واجيب انا كيف ولماذا ولمن وباي افق؟
هي اسئلة ليست ترفا ثقافيا او نزوة فكر عابرة ، وانما المعدلات المؤرقة القاتلة تجابهنا ، والكامنة في نسبة التصويت ، وعدد من ينتمون للاحزاب السياسية الوطنية، وشكل الاصطفافات والرؤى التي يمثلها اصحابها، وماذا عن التحالفات، ولماذا تتغير في احايين كثيرة بين المركز والجهات والاقاليم ، هل المرجعية ليست واحدة ، والتعاقدات ليست واحدة، ومن يتوهم انه يلعب دور الوسط ، حتى لو سلمنا بغياب الايديولوجيا، لكن في الحد الادنى هناك مرجعية وتعاقد تنظيمي، وهوية الحزب محركة والتنظيم الحزبي كجمعية توافق اصحابها والمنتمون اليها في خط برامجي قوامه افكار واليات ، تبلورت لتنتج برنامجا سياسيا تعاقديا مع الهياة الناخبة ، جون جاك روسو يقول :” الانسان يولد حرا، لكنه في كل مكان مكبل بالاغلال” .
1- هل نجحت الاحزاب في انتاج النخب؟
منذ مدة وللامانة ارى احزابا وعلى نذرتها، تشتغل ببعض هيأتها الداخلية وتنظيماتها الموازية ، احيانا على فكرة او موضوع او ترافع في بعض السياسات العمومية ، لكن بشكل منغلق ، لا ينفتح على الناس ، من ناحية باختيار فضاءات نخبوية ، تجعل المواطنين يعتقدون أن هذه الأنشطة عرس يهم أصحابه ، فلا يمكن دخوله الا بدعوة (والدعوة لله) او سيكون الحاضر متطفلا او محسوب عن قوم استقدموا استقداما تعسفيا لشان يناقش موضوعا بلغة لا تمثلهم.
وهنا تغيب اللقاءات التي كانت مثيلاتها في السابق بمقرات الاحزاب او عبر جمعياتها أداة استقطاب لعدد من الأسماء والوجوه السياسية التي كانت نخب مرحلتها، والحالة هاته تكتفي معظم احزابنا باستقطاب “الواجد” الغير المسيس والذي يعتمد مقاربة مكاتب الدراسات التي قد نحتاجها في دراسة او معطيات حصرية وليس في اعداد برنامج حزبي ، كان يجب ان تتحكم فيه لغة تشخيص واقعي يعتمدها الحزب من مناضليه بمختلف الأقاليم ويرى من خلالها منظوره للاصلاح وتقويم الاختلالات وتطوير الأداء والبنيات التحتية والموازية، موازاة مع ما يمتلك من تشخيص لاحتياجات ساكنة المناطق بشكل ترابي جغرافي واخر كوني وعام ، يسهم في الاقلاع بمسار الامة، والا علينا أن نسلم الانتخابات ونقلد المناصب لمكاتب الدراسات ، لطالما هي الادرى بما توصلت له من معطيات ونتائج وما قدمت له من حلول ، وكفانا حديثا عن النخب التي لا نؤطرها باحزابنا وتتدرج بتنظيماتنا ، ونكتفي بمنطق تقنوقراطي صرف .
2- هل الحزب الان ببلادنا حاضنة للفكر السياسي ومجال للتربية الوطنية ؟
الحزب السياسي جمعية في الاصل ، تزكي وتكون وتؤهل العنصر البشري الفاعل القادر على تمثيلنا بالهيات المنتخبة ، ببرنامج سياسي قوامه التشخيص ومحددات لمجال التدخل ، في الثقافة في التعليم في الصحة في التشغيل في البيئة وفي سبل التنشئة وصناعة المواطن السعيد .
فهل نمتلك هذا التجلي وبهكذا ابعاد ؟
والتي ستنزل هذه الاعتبارات والقيم واقعا وممارسة، وهنا تحضرني مقولة شهيرة لعالم الاجتماع “ماكس فيبر”حول مفهوم الحزب السياسي: “الحزب السياسي هو تجمع يسعى إلى السيطرة على السلطة، أو التأثير عليها، من خلال تقديم برنامج سياسي وأيديولوجي.”
ومن هذا المنطلق يرى فيبر أن الأحزاب ليست تجمعات فقط ، بل أدوات لصياغة السياسات وتوجيه المجتمعات.
فهل يا ترى تترجم الاطارات الحزبية الوطنية هذه الإرادات والخيارات التدبيرية .
3- هل افشل نظام اللائحة والكوطة حياتنا السياسية؟
في الماضي كانت ممارستنا السياسية والحزبية متقدمة في اعتقادي ، رغم انها كانت تعاني اعطابا قانونية وتراببة ، وفي بعد اخر ارتبطت بمنطق التوجيه، المنتج لتحالفات لم تكن موفقة في تقديم التدبير المنشود والنموذجي لقضايا الأمة لانها وللامانة كانت شبه هجينة ، على اعتبار افتقادها لتقنية الانصات لنبض الحي والقرية والمدينة والدوار والاقليم والجهة والوطن برمته ،
أعتقد بأن الكوطا واللائحة ليست امتيازًا، بل كانتا جسرا في افق عدالة تمثيلية لمجتمع لم تكتمل فيه شروط الممارسة الحزبية بل والسياسية المنشودة .
ان هذا المعطى يجسد التصور الذي يتبنّاه كثير من الباحثين، بكون نظام الكوطا واللائحة الوطنية في المغرب جاء كآلية مرحلية لتوسيع مجال مشاركة النساء والشباب في الحياة السياسية، في خضم تحديات ثقافية وبنيوية تعيق تكافؤ الفرص.
ونظام اللائحة هذا، جاء لخلق فريق منسجم اغلبي ، توفر له حدود التمكين السياسي لتنزيل برنامجه التعاقدي مع الفضاء الذي نجحت فيه لائحته اوزمرة اخرى وتم اختيارها، إلا أن هذا النموذج لم يقدم آليات القرب المنشودة ، وانا اسوق النموذج الذي عشته بين فاس والرباط ، في حدود هذه اللحظة لا اعرف المستشار الجماعي الذي يمثلنني او حتى البرلماني الذي نجح بدائرتي، حتى ان تعرفت الى البعض اجهل مكان تواجد البعض الآخر ، على الاقل لنقل هواجسنا كساكنة ، على سبيل المثال لا الحصر: الإنارة النظافة وغياب دار الشباب وفضاءات الطفولة ومركب ثقافي وملاعب مفتوحة في وجه شبابنا واطفالنا وغيرها من شؤوننا، وفي مستوى تشريعي مقترحاتنا في بعض القوانين التي تخدمنا او لا تخدمنا .
فهل سيتواصل المد الجارف بلوائح ينجح فيها من لا نعرفه ونقدم نخبا لا تمثلنا على فرض ان جاز لنا تسميتها بالنخب .
4- مقترحات في اعتقادي اذا وجدت صدى في زمن المشورة والتقطيع الترابي المنشود تكون ذات اثر :
اذا اردنا محاربة الوصولية والكسل والكساد السياسي ، ينبغي لنا قبل دخول غمار الاعداد للمشروع الانتخابي القادم اعتماد مدونة حزبية وسياسية جديدة قوامها العناصر التالية :
– تقييم كل حزب لمن رشحهم للانتخابات والقيام بجس نبض لحضوره وفاعليته وهل كان متواصلا مع الساكنة .
– تقديم كل حزب لحصيلته الجماعية الجهوية والتشريعية والوزارية والحكومية الحقيقية والدقيقة .
– تنزيل برامج مفتوحة في وجه تظلمات وانتظارات الساكنة والزام الاحزاب بقانون صارم يقضي بفتح مقراتها وتنظيماتها في وجه الساكنة الاعلام والباحثين .
– فرض مستوى تعليمي واخلاقي على من تقدم الاحزاب ليمثلها بالسياسة و القطاعات.
– تقديم الذمة المالية قبل دخول الانتخابات .
– دحض نظام اللائحة والكوطة بشعار لكل مجتهد نصيب حتى لا يمثلنا من لا نعرف ويجهل قضايانا .
– من مثلنا مرة او اثنتين عليه ان يفسح المجال لغيره .
– لا ترشيح ولا تزكية لمن يسكن في فضاء غير الذي ترشح او ترشحت به .
– فرض دخول الجامعات والمعاهد لاستقطاب الكفاءات الشبابية .
– عدم الجمع بين اكثر من مسؤولية سياسية .
– تغيير نمط الاقتراع .
– محاربة شراء الذمم .
– الزام الاحزاب بالتواصل الإعلامي مركزيا جهويا ومحليا .
– الزام كل حزب بتقديم منظور تربوي للتنشئة والتاطير المتواصل وليس الموسمية في العمل .
– جعل المشترك الوطني قاطرتنا في الممارسة السياسية وتضمينه بالبرامج الحزبية .
– الزام الاحزاب بابعاد اصحاب الشبهات وتضارب المصالح عن حياتنا السياسية .
– جعل كل حزب ينشئ هياة حقوقية ومنظمات تربوية لاكتشاف نخب المستقبل وتخليق الحياة العامة .
اعتقد بشكل متواضع انه اذا استطعنا سلك هذه المراحل وفي محطات حاسمة، سندخل غمار مغرب المونديال وما بعد المونديال .
لان فكرة بناء المسارات الديمقراطية بهذه الطريقة، ستعكس رؤية متواضعة ولكن عميقة، لمنظور طالما تطرق له
العديد من المفكرين، مثل جان جاك روسو و عبد الله العروي ، والذين يرون في مسالة تطور الديمقراطية وتصحيح مساراتها ، “بكونها ليست وجهة نصل إليها، بل طريقٌ نمضي فيه، نصحح أخطاءنا ونتعلم من تجاربنا.”