“أزمة القميص ” تضع الجزائر من جديد في المحظور

بقلم : منعم زيبار 

اعداد الباحثين في سلك ماستر القانون الدولي والترافع الديبلوماسي : عبد المنعم زبار وفاضمة العلام

أثارت خطوة السلطات الجزائرية “احتجاز” بعثة فريق نهضة بركان، من زوال يوم الجمعة، بمطار هواري بومدين، نتيجة ملابس رياضية تحمل خريطة المغرب، الكثير من الجدل في ظل خلط الجارة الشرقية للمملكة الرياضة بالسياسة.

فصل جديد في الخلافات بين المغرب والجزائر، يحمل هذه المرة طابعًا كرويًا بعد إلغاء مباراة فريقي اتحاد العاصمة الجزائري، وضيفه نهضة بركان المغربي في ذهاب نصف نهائي بطولة كأس الاتحاد الأفريقي، خطوة  استفزازية جديد تضع سلطات الجزائر في موقف حرج أمام المنتظم الكروي الإفريقي والدولي، ضاربين عرض الحائط قوانين ” الفيفا ” و ” الكاف ” التي تحدد شروطا خاصة بأقمصة اللعب الخاصة بالمناسبات الرياضية الوطنية والدولية.

على غرار الحجز و التضييق الذي تعرضت له بعثة الفريق بمجرد الوصول المطار حيث بادرت السلطات الجزائرية الى احتجاز الفريق المغربي مطالبة إياه بنزع القمصان التي اعتاد تمثيل المغرب بها داخليا وخارجيا في المحافل الكروية، في تضييق صارخ على الحريات وانتهاك الحقوق التي تضمنها اللوائح المنظمة للكاف ” وكذا ” الفيفا ” ساعات بعد التزام الفريق المغربي والرغبة في تجنب الاصطدامات والتعبير عن حسن النية وافق على لعب المباراة شريطة توفير قمصانه الأصلية أناء المباراة بعد أن عمدت السلطات الجزائرية على احتجاز قمصان نهضة بركان في مطار هواري بومدين بالجزائر، بعد وصول الفريق المغربي ، متحججين بوجود خريطة للمغرب تتضمن الصحراء المغربية على القمصان، وهو ما تعتبره الجزائر بحد تعبيرها مخالفا لقوانينها.

وقد رفض لاعبي الفريق المغربي النزول إلى أرضية الميدان  بعد مصادرة السلطات الجزائرية لقمصانهم التي تحتوي على خريطة المغرب، التي تضم كذلك إقليم الصحراء المغربية، وهو الإقليم الذي يؤكد المغرب سيادته التامة عليه، بينما تدعم الجزائر مزاعم جبهة الوهم ” جبهة البوليساريو ”

الجزائريون يستدلون بلوائح فيفا

يستدل الطرف الجزائري بقوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم في تصريحات لرئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وليد صادي، وكذلك المدير الرياضي لفريق اتحاد العاصمة توفيق قريشي. يلمح المسؤولون الجزائريون إلى لوائح الفيفا للمعدات الكروية، وتحديدا في المادة الرابعة.

حسب  المادة الموجودة في هذه اللوائح، نسخة 2021، تنص على التالي: “لا يجوز ارتداء أو استخدام أي عنصر (من أدوات اللعب أو الملابس أو المعدات الأخرى أو غير ذلك)، إذا رأى فيفا أنها: خطيرة أو مسيئة أو غير لائقة، أو تتضمن شعارات أو تصريحات أو صور سياسية أو دينية أو شخصية، وما لا يلتزم بالكامل بقوانين اللعبة”.

وتسمح المادة الثامنة للفرق والمنتخبات، وضع شعارات ورموز خاصة بها، فضلا عن الأعلام الوطنية والجهوية، وكذلك عبارات معينة ولقب الفريق/النادي، ويجب على الفيفا أن يوافق على هذه الشعارات، فضلا عن الاتحادات المحلية والقارية.

 

كما تشير المادة الخامسة من القانون الرابع، ضمن قوانين اللعبة الذي يصدره مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الهيئة المقننة لكرة القدم داخل فيفا، أن المعدات ” يجب ألا تحتوي على أي شعارات أو بيانات أو صور سياسية أو دينية أو شخصية. يجب على اللاعبين عدم الكشف عن الملابس تحت القمصان التي تظهر عليها شعارات أو بيانات أو صور سياسية أو دينية أو شخصية أو إعلانات بخلاف شعار الشركة المصنعة”.

حوادث سابقة

خلال المباريات المؤهلة التي سبقت كأس العالم لكرة القدم 2018، قام الفيفا بتأديب 20 فريقًا، ينتمون أو يمثلون 16 دولة بالإضافة إلى بلدان المملكة المتحدة، بسبب “انتهاكات تتعلق بالسياسة أثناء المباريات”.

وبالعودة لعام 2013، أعلن فيفا عن قرارات تأديبية بحق الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، بعد قيام بعض من لاعبي منتخب الأرجنتين برفع لافتة مكتوبا عليها “جزر فوكلاند أرجنتينية” قبل بداية مباراتهم الودية أمام سلوفينيا، في دلالة على نزاع مع المملكة المتحدة حول السيادة على هذه الجزر.

كما تم تغريم الاتحاد الأيرلندي لكرة القدم عام 2016 بسبب عرضه “رمزًا سياسيًا” لشارة تحيي الذكرى المئوية للانتفاضة ضد الحكم البريطاني. وفي عام 2021،  أمر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) أوكرانيا بإزالة شعار “سياسي” من قمصان المنتخب الأوكراني قبل انطلاق بطولة يورو 2020، هي عبارة “المجد لأبطالنا”، بعد النظر في شكوى تقدمت بها روسيا بهذا الشأن.

لكن لم يطالب يويفا أوكرانيا بحذف أي رسوم أو عبارات أخرى على قميص منتخبها الوطني ومنها عبارة “المجد لأوكرانيا” وخريطة تضم شبه جزيرة القرم رغم مطالبة روسيا بذلك. وتعترف جلّ دول العالم بالسيادة الأوكرانية على شبه جزيرة القرم وعدم شرعية قرار الضم الروسي.

كما لم يتدخل فيفا أو يويفا بأيّ إجراءات ضد المنتخبين النرويجي والألماني، بعد ارتداء اللاعبين قمصانا عليها عبارة “حقوق الإنسان – داخل وخارج الملعب” قبل مباراتين في تصفيات كأس العالم ضد جبل طارق وأيسلندا، في رسالة موجهة إلى قطر.

قوانين الكاف في صف المغرب

في الجانب الاخر، تتيح القوانين للاتحادات القارية تنظيم شؤون منافساتها، وبما أن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم قد أقر هذه القمصان للفريق المغربي في المنافسات السابقة، فهذا القرار قد يستدل به نهضة بركان في حال رفع القضية إلى المحكمة الرياضية الدولية، خصوصاً أن الاتحاد الجزائري أو أي طرف آخر لم يقدما أيّ شكوى ضد قميص الفريق المغربي في المباريات السابقة.

كذلك أن الاحتجاج على ارتداء هذه القمصان لم يكن بشكل رياضي أو خلال المنافسات الرياضية بل تمت مصادرتها في المطار، وهو ما أخرج النقاش من الجانب الرياضي الصرف إلى جانب أمني سياسي صرف.

كما أن قيام الاتحاد الجزائري بتوفير قمصان بديلة لأجل ارتدائها، غير مخول قانونيًا بالقيام بهذه الخطوة التي من اختصاص شركة خاصة يتعاقد معها الفريق المعني، ولا يمكن استبدال القمصان دون موافقة أو التنسيق مع الشركة ومع الفريق المتعاقد معها.

وهذه ليست المرة الأولى  التي يقع فيها نقاش قانوني بين المغرب والجزائر، حيث تجتهد السلطات الجزائرية في افتعال الصراع والأزمات مع المغرب، بمبرر وبدونه، وتسعى جاهدة إلى شن حرب مقصودة ومفتعلة على المملكة المغربية ، دون إعمال العقل أو الحكمة أو استحضار حسن الجوار. ومن الواضح أن هذه الادعاءات هي محاولات يائسة للنظام السياسي في الجزائر لتصدير أزماته الداخلية وإثارة التوترات مع المملكة عبر كل المجالات،  علما أن المغرب يتمتع بسياسة مقننة  تتسم بالحكمة والاعتدال وتستجيب للمبادئ والأحكام الدولية المنظمة على كافة الأصعدة، ولم يكن يومًا في منطق التصعيد أو الاستفزاز، بل دائماً يعمل على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع دول الجوار وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *