المشي هو عملية منتظمة من حركة الأقدام على الأرض اندفاعيّاً تسمح للإنسان وبقية الكائنات بالتنقل البري ، وقد فطن الإنسان الشعبي مند أزمان بعيدة لأهميته في التقليل مما يعتريه من توتر أو قَلَق أو اكتئَاب أو قِلّة النَّوم، وتنبه لضرورته في المحافظة على صحته وتحسين لياقة بدنه بشكل عام ، فضرب لذلك أمثالا شعبية أشهرها في بلادنا “الحركة بركة” كما ونقل عن توفيق الحكيم قوله :الحركة بركة ومن جد وجد، والتواني هلكة والكسل شؤم، وكلب طائف خير من أسد رابض، ومن لم يحترف لم يعتلف، وقيل في التوراة: حرك يدك يفتح لك باب الرزق وغيرها من الأمثال التي تحث على ممارسة اليمشي ذاك النشاط البدني الذي لا يتطلب لا معدات خاصة، ولا مهارات معقدة ، لبساطة وسهولة ممارسته وقلة تكاليفه ، التي جعلت منه بحق “رياضة الفقراء” ، والذي مع الأسف ، لم يحصل على التقدير الذي يستحقه ، حيث لم تشفع له لا فوائده الصحية المتمثلة في قدرته على تحريك عضلات الجسم جميعها ، بداً بعضلات القدمين إلى عضلات الذراعين ، وزيادة تدفق الدماء فيها ، كما أثبت ذلك الطب والعلم ، وأقره أبقراط Hippocrate -أبو الطب، كما يلَقَبَهُ العرب – بقوله: “المشي هو أفضل دواء للإنسان” سواء فيما يتعلَّق بقيمته كأقدم وسيلة للمواصلات ، قبل أن يقلل تطور وسائل النقل من ممارسة الناس له، أو فيمَا تعلق بالنَّاحِيَة الفِكريَّة ، التي أكد الفَيلسوف “طوماس كارليل” على فوائده لها بقوله : “لَيس المَشي جيّداً للجِسم فحَسْب، بل إنَّه جيّد للذِّهن أَيضاً،” وغير ذلك من الفوائد الجمة التي يوفرها المشي للإنسان ، والتي سبق للقرآن أن اهتم به وأقره بقَوله جَلَّ وعَزّ: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ” ، الإقرار الذي لم يأتِ من فراغ ، وإنما لفوائد المشي التي أخضعها الإسلام – الذي شمل كافة مظاهر الحياة بتنظيم أبسط تفاصيلها بغرض الحفاظ على صحة الإنسان وسلامته – للتنظيم والتقنين الذي يجنب الملتزم بشروطه وآدابه الصحيحة ، شرور سوء ممارسته ، ومن بين القواعد الموضوعة لذلك ، على سبيل المثال ، ما جاء في وصية لقمان لابنه حيث أوصى ولده بألا يختال في مشيته ، و أن يتسم بالسكينة و الوقار فلا يكون مسرعا بشكل أهوج و لا يكون شديد البطء: “وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”، سورة لقمان 18-19 ، وقوله تعالى :”وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً “الفرقان – 63.. و قوله تعالى :”وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً “الفرقان – 63. وقد تنبه الرجل الشعبي هة الآخر إلى أهمية آداب وطرق وأوقات ممارسة المشي ، فضرب لذلك أمثالا شعبية منها: “تغدى وتمدى، وتعشى وتمشى!” الذي يبن فيه أن أفضل توقيت للمشي هو بعد تناول العشاء عن أي فترة أخرى من فترات النهار ، الصباح والظهيرة. أمام هذا الكم من الأدلة على قيمة المشي وفوائده في الحفاظ على صحة الانسان ،التي جاء بها القرآن ، وأيدتها الدّراسات التي توصلت -وفقا لقناة “سكاي نيوز عربية” الفضائية- من خلال التجارب التي أجريت على مليون شخص إلى أن ممارسة التمرينات لمدة ساعة يوميا، يمكن أن تمنع الكثير من الأمراض التي يتسبب فيها أسلوب الحياة المرتبط بالكسل كأمراض القلب والسكري والسرطان ، وغيرها من الأمراض التي تكلف الاقتصاد العالمي 67.5 مليار دولار سنويا، من تكاليف الرعاية الصحية والخسائر الإنتاجية. أمام كل هذا أَتعجّب مع الفَيلسُوف “جاراتسي” كيف يَهجر الناس المَشي –وأنا منهم- وهُم بكَامل قُوَاهُم البَدنيَّة والعقلية ؟! وأتساءل مع إذَا لَم يَمش المرء وهُو صحّيح فصيح –كما يقال- فمَتَى سيَمشي؟ التساؤل الذي أَجَاب عَنه نفس الفَيلسُوف قَائِلاً: “إذَا لَم تَمشِ وأَنتَ صَحيحُ الجِسم، وَفيرُ العَافية، فسيَأتي يَومٌ تمشى وأَنتَ عَليل”! ..والى اللقاء بحول الله وقوته مع حلقة أخرى في موضوع المشي.