ترتبط بأذهان الكثير من الناس التعليم الأولي ،من حضانات وكتاتيب ورياض الأطفال وكل مؤسسات التي تسبق المراحل الابتدائية ، بصور زاهية للتعليم الراقي الذي يتم في بيئة تعليمية مريحة وجو استرخائى وبفصول لا تستوعب إلا عددًا بسيطًا من الأطفال ، وزاخرة باللوحات التعليمية والألعاب التربيوية المنمية للقدرات العقلية والمهارات الإدراكية وأساليب الحوار، وغيرها من التقنيات التعليمية المرتكزة أساسًا على التعلم باللعب الذي يستمتع خلاله الأطفال حديتي السن بطفولتهم . فهل تنطبق هذه الصورة المخملية المتخيلة للحضانات ورياض الأطفال والكتاتيب – الواقعية عند غيرنا من عباد الله المهتمين بناشئتهم – على حال العديد من المنتشر منها كالفطر في بلادنا؟ وكأنها مؤسسات تعليمية لكوكب أشد تخلفا من عالمنا !. دافع هذه المقدمة ، هو وقوع عيني على إحدى اليافطات الإشهارية التي ملأت بلا رونق ولا جمالية ، كل شوارع وأزقة إحدى المدن المغربية – التي اتحفض عن ذكر اسمها – والتي كتب عليها وبخط اعتباطي وغير أنيق ينم عن جهل الكاتب بالخظ العربي : “روض البراء” التسمية التي لا تمت للتربية ولا للتعليم بأية صلة ، لاسيما فيما يتعلق منه بالمستويات الدنيا التي تسبق المراحل الابتدائية ، أخطر مراحل التعليم وأكثرها حساسية بالنسبة لمستقبل الناشئة ومستقبل البلاد ، والتي استغربت كيف سُمح بتلك التسمية ، رغم ما تشي به من تشدد وعنف وإرهابية إسلاموية. دفع بي الإستغراب النابع من إهتمامي بالتعليم -الذي زاولته لأكثر من ثلاثين سنة -إلى استجلاء أمر ذاك الروض فقررت التلصص على حاله ، فوجدتني بعد الإطلاع على وأحواله أمامها متجر أو”كراج” لا يوحي شكله بأنه حضانة أو كتاب أو روض أطفال ، أو أي مؤسسة يمكن ، ويصعب تصنيفها في خانة إي نوع من المؤسسات التعليمية المتعارف عليها ، حيت كان مجرد فصل واحد بأعداد كبير من الأطفال تتجاوز الخمسين قابعين فوق مقاعد خشبية غير مريحة-في انتظار عودتهم لأحضان أمهاتهم مثقلين بالخيبات والإحباطات- يتوسطهم شبح تقاس قيمة شخصيته بمدى طول وسمك عصاه السوداء ، وعباراته القدحيه وسلوكياته الشاذة غير المبررة والمستخدمة جميعها الضبط والتشكيل وإرغام الأطفال على السماع والطاعة وتنفيذ الأومر من دون تردد أو اعتراض، الأسلوب المتخلف الذي يفضح ما يكنه هذا المعلم من حقد دفين للمدرسة والتمدرس والمتمدرسين ، وكرهه الطافح للمعرفة والعلم والعلماء ، وغير ذلك من العلل التي يعاني منها ممتهني التدريس بمثل هذه الموسسات ، التي أقل ما يقال عنها مؤسسات عشوائية مرخص لها ..الذين ـــــــــ ما يعرفه من إختلالات وتداعياتها على مستقبل الأطفال ومستقبل البلاد ، والمؤدي لعكس الأهداف المرجوة منه ، بما تنتهجه من أساليب التخويف بثواب “الجنة” وعقاب”النار” المعززين بالعصا الغليظة وأحاديث عذاب القبر والثعبان الأقرع وكل وعيد يدمر العقل العلمي لدى المتعلمين حدثي السن ، ويردم ملامح البراءة من على وجوههم النضرة ، ويردع الارتسمات المستقبلية لديهم ،ويجعل غالبيتهم سلبين وخوافين يتقبلون كل الأوامر إيجابيها وسلبيها ، وينصاعون لتنفيذها دون أي احتجاج او تساؤل، باحثين فقط عن التقبل الآمن لمن حولهم حتى يعيشوا بسعادة . ويبقى ما سلف بسطه من مساوئ هذه النوعية من التعليم وتداعياتها على المتعلمين الصغار، هين أمام سكوت الوزارة الوصية وهياكل الإشراف والمهتمين بالعليم المغربي والآباء المعني الأول بمستقبل أبنائهم ، على واقع تلك المؤسسات التائهة عن الطريق الصحيح للمنضومة التعليمية ، وعجز الوزارة الوصية عن اصلاحها على أرض الواقع ، ورفض أصحابها كل عملية من ذلك الاصلاح ، لمعارضتها مصالحهم وأهداف الكثير من الجهات والتوجهات السياسية ، الأمر الذي يستوجب اليوم ، وقبل أي وقت آخر ، وفي ظل التحولات العميقة التي يشهدها مجتمعنا والعالم من حولنا ، أن يفتح نقاش جدي ومتصاعد ، بقصد التأمل في مسارات ومآلات هذه المعضلة وما تحتاجه من اصلاحات جذرية. وفي الختام لا يسعني أمام وضع بؤس وتضاعف مخاطر وأهوال تجاوزات هده المؤسسات ، التي يستغلها بعض النافذين الانتهازيين الا أن اتقدم بتحية محبه وتقدير لكل معلم يؤدي الامانه ويعطي من قلبه ويبذل ما في وسعه لإنجاح المنضومة التربوية والتعليمية الصحيحة بضمير حي وقلب محب وعقل مستنير ..