بقلم : حميد طولست
وصلني مؤخرا خبر دفقت غرابته الأدرينالين في دمي إلى درجة لم استطع ،في الوهلة الأولى، تكوين رأى أو موقف تجاهه ، وكدت وصمه بالكاذبة لو لم أكن أثق في جدية ومصداقية ناقله الصحفي المسكون بتتبع ومتابعة أخبار العالم ، والذي كان ملخصه شبيه بقصة المثل المغربي الدارج: “ماقدو الفيل زيدوه فيلى*”والذي صريح فيه الإمام السعودي السابق لمسجد قباء في المدينة المنورة الشيخ صالح المغامسي، في لقاء تلفزي ” عن موضوع “تجديد الخطاب الديني ” عبر خلاله عن رغبته الملحة في إنشاء مذهب فقهي جديد مختلف عن سوابقه من المذاهب مواكب لضرورات العصر وتغيراته في التعامل مع الإشكاليات التي يعرفها الخطاب الديني وما نتج عنها من حركات التشدد والتطرف ،التي جعلت الشيخ صالح يعتقد أنه لا مخرج من مأزقها إلا بابتكار مذهب جديد وفق معايير لم يعلن عنها بعد. الفكرة التي ردت عليها هيئة كبار علماء السعودية مؤكدة على أنها مجرد رغبة تفتقد للموضوعية والواقعية ، وأنها من قبيل الأمنيات التي لا تستقيم بالرجاء ، كما يدرك المطلعون على تاريخ نشوء المذاهب الفقهية التي لم تكن قط برغبة من أصحابها ، ولا بإرادة مبيتة أو رجاء مسبق أو تخطيط منظم منهم ، وكانت استجابة تاريخية لسياقاتها المعرفية وملابساتها التي شارك أئمة المذاهب وتلاميذهم في بنائها منهجياً وتاريخياً ، حتى صارت مع الزمن مذاهب تراكمية لم يبتكرها الأئمة وحدهم ، بقدر ما كانت صنيع نشاط علمي مستمر للأعمدة البارزين في تلك المذهب ، كما كشفت عن ذلك كتب تاريخ الفقه والتراجم ، وأيده “بيكون” بقوله: أنه لا يمكن لأي نشاط علمي أن يتطور إلا داخل نموذج فكري أو إدراكي معتمد من طرف أعضاء مجموعة علمية ، وهم يشتغلون في إطار من المجابهة العلمية العاقلة، كما حصل مع نشوء المذاهب العقدية والفقهية على وجه التقريب. ومهما كان حجم الخلاف مع الشيخ صالح حول أمله في إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، فإنني أعتقد أنه لا ينبغي لأي كان أن يحيل ذلك إلى خلاف مشحون بسوء النية واتهام النوايا ، لأن خلق مذهبٍ يحل مجمل الإشكالات الفقهية ، أو يحد من اختلافاتها ، ليس مجرد رغبة أو رجاء الشيخ صالح وحده، بل هو حلم وطوبائية ، ينتظره المسلمون من المذاهب الفقهية الموجودة زيادة على ما قدمته للأمة الإسلامية من تراث عظيم مراع لما واجه المجتمع الإسلامي والشعوب الداخلة في الإسلام ، سواء في المسائل الحياتية أو الأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة الواردة في القرآن والسنة وفق قواعد وأصول محددة تمثل الاجتهادات الفقهية للمذاهب التي أصبحت رسمية لدى المسلمين ، والتي من أشهرها المذاهب الأربعة : المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي ، إلى جانب غيرها كثير من المذاهب التي يمكن ترتيبها حسب التاريخ والشهرة ، كالمذهب الجعفري والمذهب الزيدي والمذهب الإباضي والمذهب الظاهري، وغيرها من المذاهب التي لم تترك شيء في حياتنا إلا وتعرض له من خلال الأحكام المستنبطة ، التي قد تختلف قليلا من مذهب إلى آخر ، ما يحتم علينا طرح بعض التساؤلات أمثال: أي المذاهب الأربعة على الطريق الصحيح ؟. وأي شكل من أشكال المذاهب هو المذهب الذي ينول الشيخ صالح تأسيسه ؟ وهل سيكون مذهبه حقا عصا سحرية تحل الإشكالات الفقهية أو حتى تحد منها؟ وسيستطيع إقناع أصحاب المذاهب الأخرى على اختلافها باتباعه والاقتناع به ؟ وما هي القوة المعرفية الحجاجية التي يمتلكها لإقناعهم بذلك؟ وهل يستطيع الخروج بأي حال من الأحوال عما هو موجود في أصول وقواعد المذاهب المعتمدة حاليا؟ وغير ذلك من الأسئلة التي لا يتسع المجال لها في هذه المقالة.
هوامش: ـــ ما قدو فيل زادوه فيلة !
يحكى أن ملكاً أتى بفيل إلى مدينته، فكان هذا الفيل يضايق سكان المدينة فقام رجل من الرعية وقال:”يجب أن نتظاهر حتى يخرج الفيل من مدينتا ولا يؤذينا”، وبالفعل تجمع عدد كبير جداً من سكان المدينة استنكارا لوضع الفيل وأظهروا الشعارات المعادية للفيل: “لا للفيل، لا للفيل”، وكان هذا الرجل الثائر في المقدمة. لما اقتربوا من قصر الملك خرج إليه الملك غاضباً قائلاً:”ماذا تريد؟”، فنظر الرجل خلفه فلم يجد إلا عددا بسيطا جداً من سكان المدينة، فقال: “الفيل سعادة الملك”، قال الملك: “ما به؟”، قال: “نريد أن نزوجه بفيلة