الصدق والصراحة في العلاقات الاجتماعية هو السمة العامة لدى أكثر الناس ، وبدونهما يكون التواصل بلا معنى ، وتكون الحوارات الاجتماعية عديمة الفائدة ، ومع ذلك ، فإن ميل الناس للكذب لأمر غريب ، كما قال جورج برنارد شو ، ورغم أن عقوبة الكذب ليست في أنّ الناس لا يصدقونه بل أنهُ هو لا يستطيع أن يصدق الناس ، فإن بعضهم يكذب أحيانا، وأكثرهم يكذب معظم الوقت ، خاصة في المراهقة التي يبلغ الكذب فيها ذروته ، حيث يكذب المراهقون كثيرا ، وعن سبق ترصد وإصرار -لأنه أسهل ما يمكن أن يفعله أي شخص- اعتقادا منهم أنه تكتيك اجتماعي فعال ، مقارنة بمن بلوغوا سن الرشد أو من وصولوا مراحل متقدمة من العمر والشيخوخة ، الذين غالبا ما ينخفض لديهم منسوب الكذب إلى أدنى درجاته ، لإرتفاع مستويات وعيهم بأن لا شرف للانسان إلا في الصدق ، صدق التفكير ، وصدق الاحساس ، وصدق الافعال ، وإيمانهم الواثق ، بأن قول الحقيقة لا يتطلب أي جهد ، بينما الكذب يتطلب الكثير من التفكير ، وإيقانهم بأن قول الحقيقة لا يؤذي أحدا ، وأنه لا يعيش أحد أفضل بسبب أكاذيبه ، إلى جانب تدبرهم المثل العربي الدائع “حبل الكذب قصير” االذي يردده عامة الناس وخاصتهم مند الأزل ، كلما اكتشفوا كذب أو خداع أحدهم، المقولة التي لا يعرف أغلب مردديها المعنى الحقيقي من اطلاق عبارتها التي خلت كل معاجم اللغة وقواميسها من أي تفسير لها ، تاركة أمر تبيانها لفلكلور الشعوب وأمثالها الشعبية وما وراء كل واحد منها حكاية تعكس عادات وتقاليد الشعوب ، ما دفع بي للبحث عن القصة الكامنة وراء سبب سبب نزولها لــ:”حبل الكذب قصير- والتي تعود حسب راويها إلى عاصمة العراق بغداد، حيث يحكى أنه كان في مدينة بغداد تاجر غني لدية خدم كثير ، وفي احدى الأيام ، سرق منه كيس نقود ، ففكر التاجر طويلا في طريقة يكشف بها السارق ، وتوصل الى حيلة ذكية مكنته من ذلك ، حيث أعطى كل خادم حبلا طوله نصف متر ، وأخبرهم أن حبل السارق سوف يزيد طول حبله بــ10 سنتيميترات، لذا أمرهم جميعا أن يأتوا إليه غدًا في الصباح الباكر، كل واحدا منهم على حدة ومعه حبله، وبالفعل حضر الجميع في الصباح ومعهم الحبال، بنفس الطول ، عدا السارق ، فقد كان طول حبله أقصر، لأنه بغبائه قام بقص عشرة سنتيمترات منه ، إعتقادا منه أن الحبل سيطول عشرة سنتيمترات ، ومنذ ذلك الحين، أصبحت مقولة التاجر “حبل الكذب قصير”، مقولة مشهورة ومثلا تردده الألسنة عبر الأزمان المختلفة، عندما يكتشف الناس كذب وخداع الآخرين. وفي نفس السياق ، وبغض النظر عن واقعية هذه القصة من عدمه ، فإنها تذكر بالمثل الشعبي المغربي القائل : “الكذاب نسيه وسقصيه” أي أمهله تم إسأله . صحيح أنه لا يوجد شخص كامل فوق الوصفSuperman طوال الوقت وأن حقيقة الإنسان تكمن في تصرفاته، وليس في الروايات التي تروج عنه ، وان الكذب هو أسهل ما يمكن أن يفعله أي شخص ، إذا أجبر عليه في لحظة ضيق لحل إشكال أو ملئ فراغ أو ستر عيب أو تصحيح خطأ أو ترميم هفوة ، وقد يبدأ بأبسطه -والذي يطلق عليه خطأ الكذبة البيضاء- ومن المحتمل – بل وفي الغالب- ما يتعود الناس على التخفي وراءه كمساعد مؤقت على حل المشاكل ، ويُستمر أغلبهم في توظيفه إلى حد الادمان ، اعتقادا منهم بأن الأشخاص الذين يسمعون كذبهم لا يمكنهم تحديده ،ما يعني ضمنا افتراض الغباء في الناس. وفي الختام ادعو الله سبحانه ان يجنبنا الكذب في القول والريا في العمل ، ويتقبل منا التوبة عن جميع الخطايا والذنوب ويتفضل علينا بالمغفرة ، إنه مجيب للدعاء.