اتَّقُوا الله في الشجرة بالمدينة !إنها تستجير، فهل مِن مُجِير؟

 عبد الحي الرايس

– تَتَالَى على الشجرة العُدْوان، وتوالى عليها الإهْمال، ورغم التنديد والاحتجاج، فالنافذون يصنعون بها ما يشاؤون، وبالاعتراضات لا يُبالون.
في فاس بشارع مولاي رشيد، خططوا لإزاحة شجرة “تيبوانا” الوارفة الظلال، فكان التنبيهُ والتحذير، ووجيهُ الإقناع والتعليل، ولكنهم أصَمُّوا الآذان، وأعْملوا المعاولَ وباشرُوا الاجتثاث.
وفي طنجة وعلى طريق مسنانة اقتلعوا أشجار الصفصاف زاهيةِ الاخضرار، كاملةِ الْبَهَاء، وعَوَّضُوها بواشنطونيا مُتيبِّسةٍ عَجْفاء.
وبالأمس غير البعيد، كانت شجرة الدَّرْدار أوَّلَ ما يُورِقُ بشارعٍ رئيسٍ بفاس عَمَدُوا إلى استئصالها، وعَوَّضُوها بنخيلٍ يُزاحمُ البنيان.
ويظل ثامن يناير 2008 شاهداً على مجزرةِ أشجارٍ عمَّرتْ لأزيدَ من اثنتيْ عشْرة سنة بأرض طينية صلصاليةٍ غيرِ صالحة للبناء، تم تشجيرها سنة 1997 كجزء من حزام أخضر على واد فاس، فلما استوى عُودُها وألِفَ الناس التفيُّؤ بظلالها عصفتْ بها الجرافة لِتُحيل البُقعة إلى تجزئةٍ سكنية.
وحتى عند غرس أشجار التصفيف، كثيراً ما تُتْرَكُ لحالها، تنمو بها الزوائد، وتعْشوْشِبُ الْجِفَان، ويطغى عليها الإهمال، فلا يستقيم لها جذع، ولا تَسْلمُ لها أحواض.
والحالُ أن أمَّهاتِ المدائنِ تَخُصُّ الشجرة َبكامل العنايةِ والرعايةِ والاحتفاء، فتُدْرِجُها مُرَقَّمَةً مُحَدَّدَةَ النوع في تصميم أخضر، تُخْضِعُهُ للتفعيلِ والمراجعةِ والتتبُّع، تُيَسِّرُ أسْبابَ تنزيلِهِ وتُلْزِمُ به.
وحتى عند الاضطرار إلى توسيع شارع أو إعادة تهيئة فضاء يُضْفَى على الشجرة كاملُ الاعتبار، ويُقرَاُ لها ألفُ حساب، ويتم التصرفُ بمنح الشجرة الأولوية والأفضلية.
ويبقى السؤال: بمَنْ يُستجارُ لحماية الأشجار؟
ـ أبعمدة المدينة، وهو الساهر على استدامة تنميتها، المسؤول عن حمايتها من أي زيغ أو عدوان؟
ـ أم بعاملها وهو المعني بمدى احترام متطلبات تدبيرها ومعايير العمران فيها؟
ـ أم بتمثيلية وزارة”.. التنمية المستدامة”، ومسؤوليتُها عن حماية البِيئة والحفاظ على الشجرة مُباشِرة؟
ـ أم بوزارةٍ تنتهي تسميتُها ب “سياسة المدينة”؟ وهي فرصتها لتأكيد سهرها على توازنات المدينة، والنأي بها عن اختلالات التعمير، والحرص على التناسب بين العمران والتشجير؟
وجميع هؤلاء في الملتقيات والندوات يتنافسون ويتكاملون في الإشادة بدور الشجرة كرئة سليمة للسكان، باعثة للأوكسجين، وراشفةٍ للغبار، ومُلطِّفةٍ للمناخ، وناشرةٍ للظلال، وتأسيساً على ذلك يتنادَوْن لتعبئةٍ من أجل تكثيفِ غرس الأشجار.
فإذا مَرَّ العَقْدُ وتتابعت العقود، صارت للشجرة حصانةٌ وحُرمة، لا يُقبَلُ معها بحال الاعتداءُ عليها، واسترخاصُ اقتلاعها دون إلقاء أيِّ بال.
فاتقوا الله في الشجرة، وحذار حذار من الإمعان في التجافي بين معسول الكلام والخطاب، ومُسْتهين التطاول والاِجْتراء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *