#كائِنٌ_مُفْرِط_في_هَمَجِيَّته_وتَوحُّشِه

صلاح بوسريف Salah Boussrif

«إسرائيل»، «دولة» أكبر من العالم، أكبر من كُلّ الدول، وأهم من العالم، وأهمّ من كل الدول، وهي «نظام»، فوق النِّظام، وهي أكبر من مجلس الأمن، ومن المنظَّمات والمؤسسات والمحاكم الدولية، وهي أكبر من شعوب العالم قاطبةً، تفعل ما تشاء، كما تشاء، وبالطريقة التي تشاء، لا أحد يستطيع منعها أو لَـجْمَها، علماً أنَّ جبروتها تستمدّه من أمريكا، ومن دول الغرب المتواطئة معها، ومن هؤلاء تستمد العجرفة والتطاول، وتستمد بجاحتَها في قول لا، في وجه الجميع، لا تخشى ولا تخاف من أحد، الرئيس الأمريكي الذي كان أوَّل من هَرَع لمَدّ الصهاينة بالأسلحة، ووضع بوارجه الحربية في الماء، وصرف ما صرفه من مال لدعم هذا الكيان الدُّمْية أو الأداة، هو نفسه لم يعُد يستطيع إيقاف هذا الوحش القاتل، أو منعه، أو حتَّى انتقاده، لأنَّ الصهاينة تغلغلوا في اقتصاد أمريكا، وفي إعلامها، وفي صناعاتها الحربية، وفي أسواقها، وبورصتها، وفي عُمْلِتها، وفي مدارسها وجامعاتها، وفي سينماها، وفي جرائدها، وصحافتها، وفي العقل الأمريكي، وفي السياسة الأمريكية، بل هُم من يقررون مصائر الرؤساء، ومصائر الولايات، من يكون هنا، ومن يكون هناك، لتصبح أمريكا لُعْبَةً في يد «إسرائيل»، وليس العكس.

آلاف القتلى، وآلاف البيوت سقطت فوق رؤوس أصحابها، واغتيال المدنيين، وهُم يصطفون لتلقُّف ما يأكلونه، وحصار غزة، وحواريها، أو ما فيها من جهات، إلى الدرجة التي بدا فيها للجميع، بما في ذلك الأمريكان، أنَّ «الدَّمَ فَم»، بتعبير الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري، مليء بصراخ الأطفال، والنساء، والشيوخ، والشبان، دون أن يبلغ الصهيوني النازي أهدافه، ودون أن يصل إلى المُقاومة، أو يوقفها، ودون أن يحرر الأسرى، بل قَتَل عدداً من أسراه، وبدون أن تكون الحرب على غزة حاسِمَةً، كما كان يتبجَّح مجرم الحرب هذا، ومن معه من جنرالات وضُبَّاط، من كانوا يدَّعُون أنهم قوَّة ضاربة في الأرض وفي السماء، وحَسْم أمر المُقاومة مسألة أيام.

الذين أطلقوا هذا الوحش، وزوَّدُوه بكل وسائل القتل والتدمير والاغتيال، لم يستطيعوا إيقافه، ليكون بذلك كائناً فرنكشتاينيّاً، صانعوه من أطراف مُرقَّعَة، لا يجمع بينها سوى الهمجية، والتَّوحُّش، والرغبة الجارفة في القتل، لم يعُودوا يعرفون كيف يُعيدوه إلى قفصه الذي أطلقوه منه، انفلت الزِّمام من يدهم، وأصبح في يده هو، هو من يفعل بصانعيه ما يشاء، بل هو الآمر النَّاهِي، وهو من يملك قراره في يده، حتَّى وأمريكا، في تمثيلية صارخة، لأوَّل مرَّة في تاريخها، تصمت، ولا تعترض، وهذا لم يحدث هكذا، أو بما استيقظ في الأمريكان من حَسّ إنسانيّ، هُم من أجهزوا على السكان الأصليين بدم بارد، وظلُّوا في أفلام رعاة البقر، يُصوِّرون للعالم، الهنديّ الأحمر كمتوحِّش، والأمريكي إنسان مفعم بالعاطفة، وروح الإنسان، فيما العكس هو الصحيح، وهو ما كشفت عنه أفلام أمريكية أخرى، صدحت بتوحُّش الإنسان الأبيض، وبموت الإنسان فيه.

وضعٌ مليءٌ بالمُفارقات، وبالطلاسم، والأساطير التي تكون فيها الآلهة هي من تكذب، وتقتل، وتخترع القصص، والسيناريوهات، وهي من تلفق التُّهَم، وتقدم القاتِل في صورة المقتول، وتعتبر المقتول «إرهابياً»، ومجرماً، وهو الوحش، أو الوحش الفرنكشتاينيّ.

هل العالم يمشي على رأسه، لتبدو الأشياء في عينيه، كما يراها هو من تحت، لا كما تجري في فضاء مفتوح، غاصّ بالدم، وبالصُّراخ، وبروائح الرصاص والبارود والغبار، و بالعراء الفادح الذي بدت عليه الوجوه التي ظنَّت أنها ما تزال ترتدي أقنعتها، وبها تُخاطب العالم، لتبرئة القاتِل، و تجريم المقتول. ألا يكفي هذا، ليفهم الجميع، أنَّ هذا الكيان المصنوع من كُلّ جينات التَّوحُّش والغدر والقتل والبشاعة، هو هكذا كان، وهكذا سيبقى، لا صورة له، إلا هذه الصورة التي رآها الجميع، وهي صورة كائن مفرط في همجيَّته وتوحُّشه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *