بقلم : حميد طولست
لم أكن من متابعي الدراما المغربية بصورةٍ كبيرة، سواء في عموم منتوجاتها عامة ، أو في ما يخصص لموسم رمضان ، الشهر الذي يتسابق المنتجون لاستغلاله لطرح أعمالهم الدرامية حتى الخالية منها من أي مضمون أو هدف ، غير التواجد في السباق ، أياً كان مستوى ذاك التواجد وقيمته، ولو كان مجرد تكرار لقديم الأعمال الرمضانية السالفة ، والتي لم تكن يوماً عملا مصورا لحقيقة مجتمعنا ،أو معبرا عن قيمه الإيجابية ،أو معززا لها ، وكان في مجمله مجرد إعادة لتهريج الثقافات الخرافية ، ما يطرح العديد من الأسئلة حول الحدود الفاصلة بين حق صناع العمل الفني في الإبداع وواجب بث المعلومات الصحية الموثوقة المسهمة في رفع الوعي بمخاطر القضايا المؤثرة سلباً على المجتمع ،والمساندة لمجهودات الجهات المعنية بحل قضاياه الاجتماعية المستعصية ، كما هو الشأن بالنسبة لقضية “التبرع بالأعضاء” التي أثارها المسلسل التلفزيوني “كاينة ظروف” والذي وجهت له أصابع الاتهام بإحباط المجهودات الكبيرة التي بذلها المغرب في مجال تشريع التبرع بالأعضاء، الذي كان المغرب فيه من الدول العربية السباقة لتقنينه ، ليصبح بعيدا من حيث الترتيب وراء السعودية ومصر وتونس ، بما ينشر من سخف المعلومات المغلوطة المفسدة لعقول المتابعين واهتماماتهم ، التي تزرع التخوف في قلوب المتبرعين ، وتبث اليأس في نفوس مرضى الفشل الكلوي الذين ينتظرون الأمل في الحياة ، الأمر الذي لم تتمكن المؤسسات الدينية بأساليبها التقليدية من علاجه ،-أو أنها لا تريد ذلك أبدا – وربما أسهمت في تفاقمه ، بصمتها المطبق عن ما يرد في الكثير من الأعمال الدرامية -التي يتناسب انتشارُها تناسبًا طرديًا مع تفشي الجهل وانحطاطِ الوعي- من معلومات خاطئة وأفكار رديئة وأكاذيب وأوهام وخرافات ، لا تُفقر العقلَ فقط بل تُنوّمه ، وتجعله عاجزًا عن التفكير العقلاني بأيّ شيء يوقظ العقل ويجعله يفكّر منطقيًا.
صحيح أنه لا تغوي فتنة تلك التوصيات والوصفات المتلاعبة بالمشاعر والمنافية للتفكير العقلاني العميق ، الحكماء اليقظون الذين يعتمدون العقل لحماية أنفسهم من الانزلاق في متاهات الخرافات والأوهام والجهالات ، ولا يقع في شراكها إلا المغفلون، الذين لا يفكّرون بتأملٍ ورويةٍ وتدقيق، في مضامينها ومفاهيمها وعباراتها وشعاراتها التي – مع الأسف – يسكن إليها الكثير منهم ، لظنِّهم بأنها تروي ظمأهم الروحي، وتستجيب للاحتياجات المعنوية التي يبحثون عنها ، فتؤثر بذلك في بناء عقولهم وأرواحهم وقلوبهم وسلوكياتهم ، وتقوض قناعاتهم و وثوقياتهم، لأن الجهل بيئة خصبة لتفشي هذا النوع من الإنتاجات، التي يتذوق الجهلة نكهة حواراتها ومضامينها المبلِّدة للعقل والمشيعة للغباء ، كما تتذوق الأشياء العذبة ، وكما يقال: “النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق”.
في الختام أطرح نفس التساؤل الذي أطرحه كل مرة :متى سنرتفع بمستوى مضامين أعمالنا الدرامية المحلية إلى صورة التي تليق بها وببلادنا وبمواطنينا ؟ التطبيق الذي سيبقى ناقصاً ومنقوصاً، خاصة فيما يخص التأليف والسيناريو والحوار، أما التمثيل فقد أثبت الممثلين والممثلات مقدراتهم الإبداعية في الكثير من المسلسلات وعلى رأسها مسلسل”كاينة ظروف” رغم ما يعرفه من وانتقادات عبر وسائل التواصل المختلفة ..