بقلم : الاستاذ حميد طولست
رغم المأساوية المرعبة للزلزال المميت الذي من الصعب نسيان فظاعة ما أحدثته من تدمير هائل في مناطق عديدة من هذا البلد الجميل الودود أهله ، فقد أثر الحدث بشكل إيجابي على تفكير وقيم الشعب المغربي وسلوكياته وتصرفاته ، التأثير الذي استكشف ما في نفوس جماهيره من القيم الإنسانية النبيلة ، كالإيثار والتعاون والتضامن والتضحية ،وغيرها من الخصال الرفيعة التي دفعت بالمتطوعين للمضي قدما ،من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها -أفرادا وجماعات- نحو المساهمة وتقديم الدعم المادي والمعنوي وتضميد جراح المنكوبين ودفن موتاهم وإيواء المشردين ومواساة المتضررين ،غير آبهين ولا مكترثين بما يسوقه المتكلمون الكسلاء من خرافة العقاب السماوية وكثرة الذنوب ، وباقي الحماقات التي يزهو بترديدها مرضى النفوس وأعداء البشرية من المتفيقهين وأنصاف العلماء، ويحزن الموطنون الحقيقوين لسماع خزعبلاتها المتلاعبة بالرأي العام والمحبطة لكل رغبة لاندماج الأفراد في الهوية الجماعية – التي يطلق عليها “الروح الجماعية”- المعززة للحماسة والعاطفة الجماهيرية التي تمكن الأفراد من القيام بأعمال الإنقاذ وتقديم المساعدة والعون للمتضررين ، بطرق لا يمكن للأفراد القيام بها بشكل فردي كما تفعل الكثير من البلدان المتقدمة – اليابان على سبيل المثال التي عرفت عبر تاريخهم الكثير من الكوارث الجسيمة كالبراكين والسيول والأوبئة والحروب والأعاصير و هيجان البحار…
ــــ ومع كل هذا وذاك ، فقد استطاعت مرارة هذه الفاجعة أن تستنبط كل ما تمتلكه الجماهير المغربية من القيم الإنسانية المضمرة في أعماق النفوس والمعروفة بـ “تمغربيت” -الركيزة التقليدية في بناء المجتمعات لنفسها – والتي اعتُقد أنها افتُقدت للأبد ، لولا إصرار عامة الشعب المغربي وعلى رأسه شبابه الذي هب عن بكرة أبيه للمساهمة الفعالة في تقديم الدعم والمساعدة والتضامن والتعاضد، وتعزيز روح التفاؤل في النفوس المكلومة المصدومة في عقر أماكن حدوث الفاجعة المميتة التي التحقوا بها ،فرادى وجماعات ، حيث أبلوا ، مند الساعات الأولى لوقوع الكارثة ، البلاء الخارق في مد يد العون والمواساة إلى كل شبر متضرر وصلت إليه أيديهم بما توفر لهم في حينه ، حتى أنه و بعدما تسبب الزلزال في هدم مئات المدارس، وتعطيل العام الدراسي الجديد ، تحول بعض الشباب إلى بهلوانيين للتخفيف عن الأطفال المنكوبين ، عبر أنشطة متعددة بسيطة ومبتكرة ،الأمر الذي لم يكن في حسبان من ألفوا -من الآباء والأجداد – وصف هذا الجيل بكل جزم وقسوة ، أنه جيل مستهتر ، وجيل ضائع وجيل لا فائدة تُرجى من ورائه ، وجيل متحلل من كل القيم والمبادئ ، وجيل مستخف بقيم وموروثات وثوابت المجتمع.
وبغض النظر عن موضوعية هذا الرأي ومصداقيته ضمن تراتبية الأجيال وأسبقيتها ، فإنه يبقى سلوكا لا يقتصر على جيل بعينه، بل هو ظاهرة إنسانية، لطالما كانت موجودة منذ آلاف السنين، وفي مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، لكن يؤخذ عليه عملية التعميم الذي هو نهج خاطئ ، وحكم متسرع ومخالف للمنطق ، لأن جيل الشباب عبر العالم ، هو انعكاس للمجتمعات وحصاد لتربيتها، وسلوكياتها ، ما يفرض عليه إلا أن تكون خير قدوة لشبابها ، قبل أن يصبحوها هم بالنسبة لها ، كما فعل الشباب المغربي من خلال ما قدموه للمغاربة والعالم بكامله من قدوات بمناسبة هذه الفاجعة ، رغم أن جيل القدامى الذي لا يفوت أي فرصة لانتقادهم بالمناسبة أو بدونها- كما قال الكاتب البريطاني مات ريدلي: “ربما لم يكن هناك جيل منذ العصر الحجري القديم حتى اليوم لم يتأسف على عجز الجيل التالي، ويقدس ذكرى الأيام الماضية”، رحم الله شهداء الزلزال ، وتحياتي الحارة للشباب المغربي الإنسان .