من أطرف غرائب انتخابات 8 شتنبر التي تفاعل معها المغاربة، تلك المفارقة العجيبة المتمثلة في انتقاذ ترشح الفنانين للانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية – وكأن ذلك ليس من حقهم دستوريا – والتغاضي عن ترشيح الأحزاب للأميين الذين فضح “شيخ البرلمانيين” -الذي لم يغادر مقعده النيابي منذ إنتخابه في أول برلمان مغربي سنة 1963 – الأستاذ عبد الواحد الراضي أمر تواجدهم “مكرشخين” بالعشرات على أرائك البرلمان خلال ترؤسه جلسة إنتخاب رئيس مجلس النواب للولاية التشريعية الحالية بقوله :”اللي ماكايعرفش يكتب يطلب من جارو اللي حداه يوريلو كيفاش”، العبارة التي زلزلت ردحات قاعة البرلمان المغربي ، بما تحمله من إيحاءات بالسّخرية الاذعة ، التي من الصعب أن تكون ، مهما اختلفت المواقف وتباينت الآراء حولها، مجرد زلة لسان قيدوم البرلمانيين وهو من هو ، شخصية العامة من علية القوم ومسؤوليهم وسياسييهم وبرلمانييهم الكبار ، المالك لزمام انفعالاته العاطفية والمتحمل لمسؤوليات أقواله وأفعاله وتبعات موافقه وآرائه وقراراته تجاه كل ما يقابله من قضايا وأزمات ، وكثير غير ذلك من الميزات التي تحصنه من الوقوع في فخاخ زلات فلتات اللسان التي اعتاد عليها عامة الناس وبسطائهم ، حتى صارت أشبه بالإدمان الذي قال فيه وفيهم سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي :”إذا صمتت شفههم ، ثرثرت أطراف أصابعهك”.. من هذا المنظور ، وبعيدا عن سوء الظن وسوء الفهم وما يخلق من تشنج وتعصب تضيع به ومعه سبل الودة والتفاهم ، دعونا ننخرط في قراءة بسيطة نستكشف مقصود العبارة الذي ربما لم يُنطق من خلال منطوقها الذي لم يقصد ، والذي فرض ما اكتنفاه من لبس وغموض تساؤلات ملحة أمثال: هل هو فعلا نقد منطقي وموضوعي يُنتظر منه تغيير للأفضل ، أم هو انتقاد بعيد عن المنهجيّة وأقرب للهمجيّة والذي يحترفه الذين لا يملكون الحلول ولا يبحثون إلا عن الزعامات وسط فوضى اظهار سلبيات المنتقد -الذي هو هنا ممثلي الشعب – بهدف تجريحه واحراجه والتقليل من شأنه بطريقة مباشرة ؟ أم هو سخرية غير مباشرة من الواقع المؤلم للشعب الذي أنتج تلك النماذج المتخبطة في مستنقع الأمية التي تسود البلاد بسبب تقتصير كل من لم يحترم موقعه ودوره الأصلي من النواب – وهم كُثُر والحديثُ عنهم يطول -في مناقشة قضايا الجهل والأمية التي تواجه المجتمع ، وتحديد قواعد الانعتاق والتنمية المؤسس على العلم والمعرفة المتطورة التي يعلل المواطن المغربي على بآمل تحققها على أيدي ممثلين لا يصرون على بقاء الحال في أوحال التخلف والتبعية المتعارضة مع واقع العمل البرلماني في العوالم الديموقراطية ، والمبني على تنمية الإنسان وتقدمه وإزدهاره والرفع من مستواه الحضاري و كل ما يوفر الرفاهية وينشر على العلم والمعرفة والتنوير ، من بناء، وتعليم، ومدارس، وجامعات، ومراكز بحوث، وصحة ومستشفيات، وطرق، وجسور، وفرص عمل، العمل البرلماني الذي يحصر نفسه في الانقادات، مضاعفات مهاتراتهما، ولم يتعبأ لتطبيق لنموذج التنموي الجديد الذي كلفها ملك البلاد لجنة الخبراء بإعداده . فكم نحن في حاجة لنقد أساسُه الفكرةُ بالفكرة والحجّة بالحجة، نقدً بعيد عن الشَّخصنة والثأر، خالي من السّلبية والتجريح، قريب من الإيجابية والوضوح ، ولذلك من الضرري التفريق بين النقد الذي علم له أدواته ومقاييسه ومدارسه ومنظّوره والمختصون فيه ، وبين الإنقاد المبني على تقييم ورأي الشخصي ناتجين عن انطباعات وربما على تسقيطات عشوائيّة المواطن في غناً عنها لما تولّده من عداواتٍ