ليس هناك شعور أكثر قسوةً على النفس من الوقوف في طابور ، مشدودا على حافة الحياة بين أملٍ قد يأتي وخيبةٍ قد تسقط كالصخر على الروح؛ إنه الانتظار، ذاك السجن الصامت الذي يأكل من أيام البشر ، ويسرق الفرحة من قلوبهم، ويطفئ بريق أحلامهم دون دراية منهم أنهم يطاردون خيوط الدخان في لحظات الانكسار ، خلال انتظار شفاء وسط عتمة الألم ، أو التفاتة حبٍ واحترامٍ أو اعترافٍ بوجود ، ولما لا سعادة يمضي العمر متكئا على مقاعد الانتظار في انتظارها ، والتي هي كـ”جودو”لا و لن تأتي لم وربما لن تضيف قيمة يبتسم لها رصيف الحياة ، أو تملؤه بهاءً وتألقاً واحتفاءً ، وكأن الانتظار يبارك منتظريه من الميلاد إلى الممات ، ويكافئ اختيارهم السقيم لإكمال الأعمار كضحايا لا تدري المعنى الحقيقي لمأساة الانتظار المستنفذ لكل الطاقات الحيوية ، والسارق لأبهى اللحظات الجميلة ، والمفقد للراحة النفسية ، والسالب للأمن والأمال ، التي يضعها جميعها على قائمة انتظاريته الطويلة، البعيدة المنال ، التي لا تمنح الدفء للحاضر، ولا تحمل الإشراق للمستقبل، ولا تضيء طرق المنتظرين الباهتة ، وكأنها أشبه بعقوبةٍ ذاتية ، مشبعة بإرثٍ ثقيل من القلق والإرهاق واللاجدوى ، التي تفقد الإنسان أمن النفس والأمل في المستقبل ، وتهدد حياته بالموت البطيء ، دون أن يشعر متى بدأ اعتياده الانتظار الذي يلوذ بمقاعده ، أو يدرك معناه الحقيقي ! وهل هو الحنين لما لم يكن ؟ أم هو التعلق بما قد لا يكون أم هو التمسك بالأوهام؟ والتي كان من الأجدى استبدالها بالفعل واتخاذ المبادرة ، بدل التردد و الإتكالية ، فالوقت لا يرحم من يسرف في استهلاك نفسه على أرصفة الانتظار ، والحياة لا تنتظر أحدًا..
حميد طولست Hamidost@hotmail.com
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو سابق للمكتب التنفيدي لـ “لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان