فاتحة الكلام
في الأيام الأخيرة الماضية، كان المسرح سلطاناً متوجا في مدينة القنيطرة، نعم، اقول ( كان) واقول ( يكون) ولا بأس أن اقول ايضا، بانه (سوف يكون) في كل زمان وفي كل مكان، لأن المسرح ليس حدثا عابرا في التاربخ، ولكنه التاريخ .. كل التاريخ.. وليس عمرا من الأعمار، ولكنه الحياة .. كل الحياة
ولقد كان هذا المسرح دائما سلطان زمانه، وكان سلطان كل الأمكنة، وكان الموعد الصادق، وكان العيد والتعييد، وكان الجديد والتجديد، وكان السؤال والمسألة، وكان المبتدا والخبر، وكان الفعل والفاعلية، وكان الانفعال والتفاعل
في هذه الأيام الاستثنائية، من عمر هذا الزمن العيدي والاحتفالي، استعادت مدينة القنيطرة احتفاليتها، واستعادت عيديتها، واستعادت اسماءها الكبيرة في المسرح، واستعادت ذاكرتها، وتذكرت تاريخها الذي كان، وتطلعت إلى تاريخها الذي سوف يأتي، ولقد كان للفرح في زمن هذه المدينة الجديد عنوان كبير هو المهرجان، وكان لهذا المهرجان اسم هو مهرجان سبو للمونودرام، وكان وراء هذا المهرجان فتية آمنوا بربهم، وآمنوا بالمسرح، وآمنوا باللقاء وبالتلاقي، وآمنوا بكل القيم الجميلة والنبيلة التي بشرت بها الاحتفالية، والتي بينتها في كل بياناتها، والتي جسدتها في كل إبداعاتها المسرحية، ولقد كان لهذا المهرجان شعار هو:
(المونودراما جسد الفرد وقضايا الجماعة)
وفعلا، فقد كان الممثل الفرد حاضرا، في كل الاحتفالات المسرحية المتعددة والمتنوعة، وذلك على امتداد ايام طويلة وعريضة وعميقة وغنية جدا جدا، ولكن قضايا الناس لم تكن غائبة، وحضر السؤال الوجودي ايضا، كما حضر السؤال الاجتماعي، وحضر السؤال السياسي، وحضر السؤال الفلسفي، من خلال اجساد قليلة ومحدودة، ولكنها طرحت وتمثلت كل القضايا الإنسانية والكونية الكبيرة والكثيرة والخطيرة جدا..
المسرح الاحتفالي وعلامة (صنع في المغرب)
وانني انا الاحتفالي، اؤمن بان الأصل في المسرح هو التلاقي دائما .. اي ان تلتقي الأرواح الحية، وتلتقي العقول المفكرة، وتلتقي النفوس السليمة قبل لقاء الأجساد، وان يكون الفرد المحتفل وسط الجماعة المحتفلة مختلفا ومخالفا، وأن يكون وجوده إضافة فكرية وجمالية واخلاقيةحقيقية، وان لا يكون مجرد جسد عابر، داخل قطيع الأجساد البشرية العابرة
ويسعى الاحتفالي الذي يسكنني ـ يسكننا من اجل ان يكون هذا المسرح جزء من حياتنا اليومية، وان يكون عيدا يتجدد بتجدد الأيام والأعوام، وان لا يكون مناسبة موسمية فقط، مناسبة تظهر وتختفي باسرع وقت ممكن
والمطلوب اليوم من هذا المسرح ان يكون مسرحا حقيقيا، وان يلعب كل الأدوار الحقيقية، وان يقدم للناس ما ينفع الناس، وما ينفع الناس يمكث في الأرض بكل تاكيد، ويمكث في التاريخ، ويمكن في وجدان البشرية
وفي كتاب ( انا الذي رأيت) يقول الاحتفالي:
(لقد ظل كثير من الباحثين ومن النقاد في درجة الوهم، وخدعوا انفسهم وهم لا يشعرون، وفاتهم ان يعرفوا ان المسرح صناعة من الصناعات الثقيلة، وان الفرجة فيه، إذا لم تكن دالة ومؤشرة، ولم تكن مدعمة بالفكر والعلم وبالفن، فإنه لا يمكن ان يكون لها اي معنى)
والمغرب الذي يصنع اليوم السيارات والطائرات يصنع الأفكار ايضا، ويصنع من تراثه فنوننا جديدة، ويصنع من حالاته ومقاماته واختياراتي ابداعات مسرحية حقيقية
وفي مدينة القنيطرة، وعلى خشبة المسرح الجامعي بجامعة ابن طفيل، عشنا أمسية بطعم الوفاء، أمسية فكرية باذخة قادها باقتدار كبير الأستاذ عبد الله اشملي، والذي وصفته في كلمتي بالنابغة، ليس النابغة الذبياني، ولكن النابغة المغربي، لقد تولى فعل تقديم فقرات تلك الأمسية الافتتاحية، والتي كان فيها مقنعا وممتعا لحد الإدهاش
ولقد تم هذا الافتتاح الباذخ بحضور المكرمين، صلاح الدمرداش وطارق حسن من مصر، وتحديدا من مدينة الإسماعيلية، وبحضور وعبد الكريم برشيد والممثلة الكبيرة والمقتدرة السعدية أزكون من المغرب
وهذه الدورة الثانية من عمر هذا المهرجان مهداة لروح الفنان الإنسان والمثقف محمد العسولي، قيدوم المسرحيين في مدينة القنيطرة
وبحسب مهرجان سبو ـ مونودراما، فان دخول المسرح لم يكن ممكنا ان يمر في دورته الثانية على بساط احمر، مثلما يحدث في المهرجانات السينمائية، ولقد اختارت ادارة المهرجان، ممثلة في شخص المؤسس، رضوان ابراهيمي، ان يمر ضيوف الافتتاح على بساط اخضر، وهذا اختيار جميل ونببل بكل تاكيد، وهو اختيار ينسجم في مضمون ومع احتفالية وعيدية المسىرح ومع احتفالية وعيدية الحياة والوجود، وهو بهذا اختيار حر وعاقل، يتمرد على عرف كاد ان يصبح قانونا، ولقد اقترحت علينا ادارة المهرجان، وديا، ان نساهم في تحديث وتثوير الآداب والأخلاق المسرحية
هو بساط اخضر اذن، بساط يمشي عليه المسرحيون الصادقون والعاشقون، وهو اخضر في لونه وفي مضمونه، وهكذا هي شجرة الحياة دائما، وهكذا هي شجرة المعرفة ايضا، فهي مورقة ويانعة ومثمرة وسخية بشكل جديد ومتجدد، وهذا المهرجان هو مادبة فكرية وجمالية باذخة، وفي بيته يمكن ان يلتقي عالمان اثنان متكاملان، أحدهما محسوس والثاني متخيل، وبذلك يكون هذا المهرجان دعوة صادقة للدخول إلى عالم الأحلام وإلى عالم الأفكار و إلي عالم الأسرار السحرية والأسطورية
ولقد شهد المهرجان تقديم ومناقشة توقيع نصين مسرحيين للمسرحي عبد اللطيف ابطاني وكانت القراءة والتقديم للأستاذ حميد تشبش، اما تسيير الجلسة فقد تولاها المسرحي إدريس كسرى وقد تشرفت باعداد تقديم للنصين المسرحيين داخل الكتاب، وفي التقديم قلت ما يلي :
(في هذه الكتابة المسرحية نحن أمام كاتب مسرحي استثنائي برتبة مؤرخ، وهو فعلا مؤرخ للهوامش الصغيرة والدقيقة التي يهملها المؤرخون، والتي قد لا يخبر بها الإعلاميون، لأنها قد تبدو لهم تافهة وبلا معنى، مع انها خطيرة وذات معنى)
ولقد تمت هذه الفعالية الثقافية بمدرج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل، وكان هذا في اليوم الثالث من المهرجان
(ضيوف) هذا المهرجان
وضيوف هذا المهرجان ام يكونوا صيوفا بالمعنى الحقيقي، وكانوا هم الذين اثثوا زمنه، واثثوا فضاءاته بالفعل الفكري والجمالي، وهم، إدريس كسرى، الفنان المثقف، والمبدع فكريا وحماليا والذي تولى التقديم، لندوات المهرجان، كما قام باقتدار كبير تنشيط الحفل الختامي، وكان في تنشيطه مقنعا وممتعا، وقد انصف الجميع، وذكر الجميع ولم ينس اي واحد
عبد الفتاح ابطاني، المسرحي الإنسان ، والباحث المجد والمجتهد، والمسرحي الباحث عن ذاته وعن هويته في مسرح الحياة وفي حياة المسرح، وفي الغلاف الأخير من كتابه الذي قدمه في المهرجان وجدناه يقول:
(وانا ابحث عني في غياهب النفس..
تحاصرني السدود والحدود
تطالبني بجواز الحقيقة بتأشيرة الصدق..
وانا لا املك سوى نفس أمارة جبارة..
أرجوك ..كف البلاء عني، فما عدت افهمني)
ذ. عبد السلام لحيابي، الباحث العاشق عن الحقيقة والعاشق للمعرفة، والعاشق لجمال النفس والروح قبل جمال الأجساد، وفي تقديمه له قال ادريس كسرى بانه (الدارس الحارس لمعبد الاحتفالية) وانا اضيف إليه كلمة اخرى هي ( المؤسس) ليصبح هو الدارس الذي درس الاحتفالية، من خلال فكرها وعلمها ومن خلال فنها، والفنان المفكر الذي لم يجرفه تيار احكام السوق، والذي لم ثؤر فيه الإشاعات التي تجري مع الهواء، في الاتجاهات الممنوعة والخاطئة،وهو الاحتفالي الذي ساهم في فعل تاسيس هذه الاحتفالية العالمة، ولم يكتف بالتفرج عليها من بعيد كما فعل مثير من (الدارسين) وهو الحارس الأمين والمؤتمن على سلامة هذه الاحتفالية
صلاح الدمرداش، المخرج القادم الينا من مدينة الإسماعيلية بمصر، المحروسة، والذي حدثنا في جلسة الماستر كلاس عن تجربته المسرحية الكبيرة والغنية والعميقة، والتي الهمت الشباب المغربي، والذي تابع درسه المسرحي بكثير من الانتباه، والكثير من الحب والتقدير، وكان هذا الشباب مكونا في جزء منه من طلبة الإجازة المهنية المسرح بجامعة ابن طفيل
والى جانبه حضر المسرحي والاعلامي الجميل والنبيل طارق حسن، وقد اعطى عن نفسه وعن المسرح في الإسماعيلية صورة واضحة، ولقد شكل مع صلاح الدمرداش ثنائيا جميلا احبه الجميع
وفي جانب التكوين المسرحي حضر الفنان المسرحي يوسف الساسي، خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، والذي كان من قبل مديرا للمركب الثقافي بمدينة بلقصيري، والذي يتولى اليوم تسيير وتنتشيط المركب الثقافي الجديد بمدينة سيدي سليمان، ولقد استفاد مسرحيو الغد من دروسه
وإلى جانب الكاتب المسرحي د. عبد اللطيف ابطاني، حضر صديقه الأستاذ حميد تشيش، وهو المسرحي الباحث، وهو المسرحي المؤرخ، وهو المسرحي الباحث عن مسرح يشبه ما ونشبهه
وإلى جانب كل هؤلاء حضر الأستاذ احمد ابو عروة .. المسرحي والسيناريست والفنان الشامل، ومعد البرامج التلفزيونية ذات البعد الاجتماعي والإنساني، وصاحب اشهر برنامج والذي هو ( لحبيبة امي)
كما حضر الممثل محمد عزام – بهلول ـ الممثل الكوميدي الذي عاد الى مدرجات الجامعية بجامعة ابن طفيل ليستكمل دراسته، وليدعم موهبته بالثقافة المسرحية الواسعة
اما بخصوص جنود الخفاء، والذين صنعوا هذا الحدث المسرحي، والذين اخرجوه في صمت ونكران ذات، إلى جانب المؤسس والمدير الفنان رضوان ابراهيمي، فإننا نلقى ذلك التقني الجميل والنبيل السي محمد العتابي، والذي ذلك ابدع كل اوراق وملصقات المهرجان
وفي الجانب اللوجستيكي وجدنا الأستاذة كريمة، دينامو المهرجان وام الجميع، واخت الجميع .. والفنانة بالفطرة، والتي كانت عينا على كل كبيرة وصغيرة، وإلى جانبها نجد قربيتها السيدة زبيدة، المراة التي كان لها دور كبير في إقامة هذا المهرجان وفي نجاحه، هي والسيدة نادية والفراشة كوثر ..
ولا يمكن ان انسى الشريف الوزاني، السائق الذي واكب المهرجان، من قبل بدايته إلى ما بعد نهايته، والذي كان اول من استقبل الكبيرين صلاح الدمرداش وطارق حسن بمطار محمد الخامس الدولي بمدينة الدار البيضاء..
والحديث بقية..