مما لا شك فيه أن كأس العرب هو حدث عربي عظيم بامتياز خاصة في ظل صعوبة اجتماع العرب على شيء ، وربما استحالته ، بدليل المثل المترسخ في الأذهان “اتفق العرب على الا يتفقوا” والذي تبقى معه المفارقة الغريبة في إلتآم شمل العرب واتفاقهم على إقامة دورة عاشرة في مسابقة رياضية “كاس العرب” لم تُقَم إلا تسع مرات فقط في 58 عاماً ، والأشد غرابة أن يجمعوا على إقامتها في ظرف انتشرت فيه العالَم العربي جوائح وباء كورونا ومتحوراته ، وغطت الصراعات السياسية كل رقعة من البلاد العربية. ومهما يكن ما يعتقده البعض حول إقامة التظاهرات الرياضية على أساس العرق أو القومية أو الدين ، ومخالفتها لقوانين “لفيفا”، فإن حفل افتتاح الدورة العاشرة من هذه المسابقة الرياضية ، في ملعب «البيت» بالدوحة ، التي تأخرت عشر سنوات عن موعدها، قد حرك في كل دول الإقليم الـ 23 المشاركة، العربية منها والأمازيغية ، كل عواطفة الالتقاء ، وجمالية التواؤم والتوافق ، وحيوية الاجتماع ، التي تراكم عليها غبار السنين ، وأجّج فيها نفس الأحاسيس البشرية التي يشعر بمثلها الأوروبيون خلال مناسباتهم الرياضية الدولية والقارية، والتي ترجمتها جماهيرها بترديد مقاطع من الأناشيد الوطنية ومقاطع من أغنيتي الفنانة فيروز، “سنرجع يوماً إلى حيّنا” و “سنرجع خبرني العندليب” ، التي تفاعلت معهما الجماهير المتنوعة الحاضر في الملعب ، العربية والأمازيغية ، معبرة بطريقة عفوية عن فخرها وافتخارها بقدرة الدولة العربية على إقامة حدث بهذه العظمة وذاك التميز الممهد لاستضافة المونديال العام المقبل . وبغض النظر عن كل تلك الاعتبارات ، فإن “كأس العرب” سيبقى عرسا يخص العرب وحدهم ، وسوف ينظر إليه العالم على أنه أداء عربي في مجال ظل العرب مستبعدين منه وعنه لأزمان، وأنه من المستحيل أن يشعر الأمازيغ المشاركين في انجاحه ، بأنه عرس لهم هم أيضا، مهما حاول البعض التسويق لتنزيهه من العرقية والقومية والقُطريَّة ، بدعوى تراص أعلام الدول الغير العربية وتلاصقها برايات الدول العربية في سماء الملاعب ، العبثية التي فضحها الإعلامي السعودي “فهيد الشمري” بخرجته الساخطة على المشاركين الأمازيغ عامة ، وأمازيغ المغرب على وجه الخصوص ، الذي إنهزم فريق السعودية بلاده أمام منتخبهم ، بإخرجاه رياضة كرة القدم من منطقها المبني على فائز ومنهزم ، وكأن الأمازيغ هم السبب فيما تتخبط فيه بلاده وكافة بلاد العربان من افلاس كروي -رغم الامكانات المادية- مرده الرئيسي ، كما جاء في رد المفكر الأمازيغي أحمد عصيد عليه :لأن العرب اهتموا بالألقاب وبثقافة “داحس والغبراء” وتقاليد الفخر والحماسة واستعراض الشجرات والأنساب والواجهات الزجاجية، ولم يهتموا بإتقان فن الكرة.” الأمر الذي جعل المتأمل بتعمق لــ”كأس العرب” يرى أنه “كأس العرب” ليس بتظاهرة رياضية صرفة ، وإن كان يبدو ظاهره كذلك، رغم التنظيم المتميز الذي أضفى عليها ذاك الطابع الخرافي، شكلا ومضمومنا ، بدأ بالافتتاح الذي شهد بروعته الأعداء قبل الأصدقاء، وإنما هو طور جديد من أطوار إثبات عودت قطر إلى محيطها العربي بعد قطيعة دامت طويلا ،التحدي الذي تلوح به المناهج الدبلوماسية التي تتبعها قطر في مختلف تحولاتها السياسية المتميزة باقتحاميتها وجرأتها في إعلان المواقف وتحديد المسارات ومواقع الأهداف العامة التي تتحرك في إطارها وفق التفاعلات السياسية التي تحدث في الإقليم والعالم . ـــــــــــ وحتى لا يفهم ذوو النفوس المريضة وأصحاب العقول الصدئة ، أن مكتوبي هذا عن كرة القم هو دعوة للكراهية ، لا تم لا ، فنحن أمازيغ المغرب لانكره ولن نكره أحدا ، وخاصة أشقاءنا العرب الذين تربطنا بكل دولهم روابط الأخوة في الدين ، التي نحرص دائماً على توثيقها ، وما هذه المقال الا قراءة مقتضبة لواقع تظاهرة كروية ، كنت أتمنى-كما الكثير غيري من الأمازيغ- لو أقيمت على المبادئ العالمية لرياضة كرة القدم ، البعيدة عن الأهداف السياسية القومجية وتصويراتها النمطية السائدة حول الأمازيغ ، التي تدمر جسور المحبة والوئام بين الشعوب.