تسيطر على البشرية ، وفي جميع الثقافات الإنسانية ، أنواع مختلفة من المشاعر والانفعالات المشتركة ذات الآثار البالغة في الكيفية التي نحيا بها مع الآخرين ، ولذلك كان لابد لمن يرغب في معرفة حقيقة أي شخص كيفما كان وضعه أو مرتبته من النظر إلى استجاباته لما يفرح له ويرضيه ، والتمعن في انفعالاته مع ما يحزنه ويغضبه ، لأنه من خلال ثنائية تلك المشاعر، تتمايز أخلاقه ، حيث أنه من بين الغضب والرضا تنكشف ذهنية الإنسان الثقافية والسياسية والدينية ، ومن الحزن والفرح تنجلي سلوكياته الاجتماعية والإنسانية ومدى تفاعله مع المحفزات الداخلية والخارجية ، كما حدث مع الاغتيال الشنيع الذي تعرضت له الصحفية المهنية المرموقة شيرين ابو عاقلة ، التي كشفت خفايا الذهنية الاإنسانية وأسرار السلوكيات المتعالية المشوبة بالنظر الدونية المثخنة بالاستخفاف والانتهازي المقيت ، التي تعامل بها ظلاميي الفكر الإسلاموي مع وطنية غير عادية ،لم يشفع لها عندهم لا إيمانها بقضية وطنها فلسطين ، ولا نضالاتها لاسترداد حقوق شعبه ، ولا مخاطرتها الشجاع بنفسها من أجل ذلك ، ولا أداؤها المهني الرفيع وانحيازها للحقيقة،ولا رقة إنسانيتها الآسرة ، ولا حتى تحولها -بعد الموت الغادر- إلى أيقونة وطنية وعالمية من دون استعراض للبطولة أو بحث عن “البوز” الذي يمس – سواء كان بشكل مقصود أو غير مقصود -سمعة رواده بصورة عامة وعميقة ، والذي يتناحر خفافيش الظلام الإسلاموية على تحقيقه بكل أبعاده اللا أخلاقية المسيئة لرجال الدين والمسلمين عامة ، والذي شكل في قضية شيرين -التي تابعها عن كثب الملايين عبر عشرات وسائل الإعلام الدولية- فضيحة من العيار الثقيل ووصمة عار في صحيفة كل الشيوخ الذين امتلأت نفوسهم بأمراض البغض والكراهية غير متناسبة مع ضخامة الحدث الذي مَهَرَت به شيرين رسالتها الصحفية النّبيلة بتوقيع الشّهادة ، الميزة التي تعمد الظلاميون خلق ضجة جوفاء وجدلا عقيما حولها ، حيث حرموا وصفها بتلك الصفة ، وحذروا من التفاعل مع جريمة اغتيالها بالحزن العميق ،وتوعدوا بجهنم كل تجرأ على الدعاء الصادق لها بالرحمة ، وكفروا من يقوم به ، لمجرد كون المستشهد في سبيل وطنها مسيحية، وكأن الشهادة تتحدد بالطوائف والعرقيات والديانات وليس بالوطنية والإنسانية والتضحية والدفاع عن العدالة والسلام ، و كل القيم النبيلة التي ناضلت شيرين من أجلها والتي كانت وراء التعجيل بانتقالها إلى جوار ربها ، حاملة كتاب أعمالها الجليلة التي لم يعرها -من يطلق عليهم بسطاء القوم “رجال الدين”- أي اهتمام ، ليس لكونها مسيحية فقط ، ولكن لكونها “إمرأة” استطاعت أن تأتي بما لم يستطع أصحاب أضخم العمائم وأطول اللحى وأحلك الزبيبات الإتيان بأقل منه ، بدليل أنها ليست المرة الأولى التي يتلهى فيها جهابذة الجهل الديني بجلد المرأة عامة وكل أنتى عظيمة غير عادية وعلى الخصوص المناضلات المشاكسات المتمردات بسعة علمهن ورحابة آفقهن التي لم تفلح في ضحد حججها القوية والصريحة والجريئة أعتى الشيوخ والدعاة الذكوريين الذي تيِرّ البسطاء أمام جبروت شرائعهم المتخلفة ،بدلا من تصويب بوصلة التنديد على الجريمة الشنعاء ،الذي هم أجبن فيه من عصفور مبلول، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على تلك النذالة والخسة، ومنها على سبيل المثال ، قصة وفاة الكاتبة المصرية الدكتورة “نوال السعداوي” وهي مسلمة -التي أدعو لها بالرحمة والمغفرة ، كما أمرني به ربني، وأرشدني إليه نبيي صلى الله عليه وسلم – والتي ما كاد يعْلَن عن وفاتها حتى غصت صفحات التواصل الاجتماعي بعبارات التشفي والشماتة وأحاديث الدم والقدح في حق أبرز وأعند مدافعة عن حقوق المرأة -بعد قاسم أمين أعظم وأشهر مفكري الرجال نصرةً لقضايا المرأة في هذا العصر- وذلك ضدا في كل تعاليم وأخلاقيات الإسلام التي تحض على عدم تناول الميت بالسوء ، الذي يصبح بعد الموت لا يملك من أمر الدفاع عن نفسه شيئاً، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :”اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم .. وتبقى تلك هي مأثرة المفكرين الكبار وصانعي الظواهر الفكرية والنضالية ، الذين يرحلون ولا يموتون ويبقون بين الناس لاستكمال حياتهم من خلال إرثهم الذي يتطوّر عبر الزمن ومجرياته ومتغيراته ، رغما في الشامتين المتعصبين للظلامية و الجَهل، كما هو حال شيرين التي ستبقى حاضرة بيننا في ربورطاجاتها الصحفية الرزينة ، وحال نوال السعدواي التي لازالت بيننا في مؤلفاتها المثيرة للجدل والمحرّكة للفكر والمثيرة للنقاش والمرهبة للظلاميين الذين ليس في جعبتهم للدفاع عن خزعبلاتهم غير اتهام بالإلحاد والتحلل من الأخلاق والفضيلة كل مخالف ومعترض في كونهم أعرف الناس بما يريد الله ويرضاه للبشرية